أهميّة الغدير في التاريخ
لا يستريب أيّ ذي مُسْکة في أنَّ شرف الشيء بشرف غايته ، فعليه أنَّ أوّل ما تکسبه الغايات أهميّة کبرى من مواضيع التاريخ هو ما أُسِّس عليه دين ، أو جرتبه نِحلة ، واعتلت عليه دعائمُ مذهب ، فدانت به أُمم ، وقامت به دول ، وجرى به ذکرٌمع الأبد ، ولذلک تجد أئمة التاريخ يتهالکون في ضبط مبادئ الأديان وتعاليمها ، وتقييدما يتبعها من دعايات ، وحروب ، وحکومات ، وولايات ، التي عليها نَسَلت الحُقُبوالأعوام ، ومضت القرون الخالية
( سُنَّةَ اللَّهِ في الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِتَبْديلاً )، وإذا أهمل المؤرِّخ شيئاً من ذلک فقد أوجد في صحيفته فراغاً لا تسدّه أيّة مهمّة ، وجاء فيها بأمر خِداج؛ بُتِر أوّلُه ، ولا يُعلم مبدؤه ، وعسى أن يوجب ذلک جهلاً للقارئ في مصير الأمر ومنتهاه
.
إنَّ واقعة غدير خُمّ هي من أهمّ تلک القضايا ؛ لما ابتنى عليها - وعلى کثير منالحُجج الدامغة - مذهبُ المقتصِّين أثر
آل الرسول - صلوات اللَّه عليه وعليهم - وهممعدودون بالملايين ، وفيهم العلم والسؤدد ، والحکماء ، والعلماء ، والأماثل ، ونوابغ فيعلوم الأوائل والأواخر ، والملوک ، والساسة ، والأمراء ، والقادة ، والأدب الجمّ ،والفضل الکُثار ، وکتب قيِّمة في کلّ فنّ ، فإنْ يکن المؤرِّخ منهم فمن واجبه أن يفيضعلى أمّته نبأ بَدْء دعوته ، وإن يکن من غيرهم فلا يعدوه أن يذکرها بسيطة عندمايسرُد تاريخ أمّة کبيرة کهذه ، أويشفعها بما يرتئيه حول القضيّة من غميزة في الدلالة ،إن کان مزيج نفسه النزول على حکم العاطفة ، وما هنالک من نعرات طائفته ، على حين أنّه لا يتسنّى له غمزٌ في سندها ، فإنَّ ما ناء به نبيّ الإسلام يومَ الغدير من الدعوةإلى مفاد حديثه لم يختلف فيه اثنان ، وإن اختلفوا في مؤدّاه ؛ لأغراضٍ وشوائبَ غيرخافية على النابه البصير
.
فذکرها منأئمّة المؤرِّخين :
البلاذري في أنساب الأشراف ،وابن قتيبة في المعارف والإمامة والسياسة ، والطبريّ في کتاب مفرد ، وابن زولاق الليثي المصري في تأليفه ، والخطيبالبغدادي في تاريخه ، وابن عبدالبَرّ في الاستيعاب ،والشهرستاني في الملل والنحل ، وابن عساکر فيتاريخه ، وياقوت الحَمَوي معجم الأدباء من الطبعةالأخيرة ، وابن الأثير في أُسد الغابة ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، وابن خلّکان في تاريخه ، واليافعي في مرآة الجنان ، وابن الشيخ البَلَوي في ألف باء، وابن کثيرالشامي في البداية والنهاية ، وابن خلدون في مقدّمةتاريخه ، وشمس الدين الذهبي في تذکرة الحفّاظ ، والنويري في نهاية الأَرَب في فنون الأَدَب ، وابن حجر العسقلاني في الإصابة وتهذيب التهذيب ، وابن الصبّاغ المالکي فيالفصول المهمّة ، والمقريزي في الخطط ، وجلال الدين السيوطي في غير واحد من کتبه ، والقرماني الدمشقي في أخبارالدول ، ونور الدين الحَلَبي في السيرة الحَلَبيّة ، وغيرهم
.
وهذا الشأن في علم التاريخ لا يقلّ عنه الشأن في فنّ الحديث ، فإنَّ المحدِّث إلىأيّ شطرٍ ولّى وجهه من فضاء فنِّه الواسع ، يجد عنده صحاحاً ومسانيدَ تثبت هذهالمَأثُرة لوليّ أمر الدين عليه السلام ، ولم يزل الخَلَف يتلقّاه من سلفه حتى ينتهي الدور إلى جيلالصحابةالوعاة للخبر ، ويجد لها مع تعاقبالطبقاتبَلَجاً ونوراً يَذهب بالأبصار ،فإن أغفل المحدِّث ما هذا شأنه ، فقد بخس للأمّة حقّاً ، وحرمها عن الکثير الطيّب ممّاأسدى إليها نبيُّها نبيّ الرحمة من برّه الواسع ، وهدايته لها إلى الطريقة المثلى
.
فذکرها من أئمّة الحديث :
إمام الشافعية أبو عبداللَّه محمد بن إدريس الشافعي کما في نهاية ابن الأثير ، وإمام الحنابلة أحمد بن حنبل في مسنده ومناقبه ، وابن ماجة في سننه ، والترمذي في صحيحه ، والنسائي في الخصائص ، وأبو يعلىالموصلي في مسنده ، والبغوي في السنن ، والدولابي في الکنى والأسماء ، والطحاوي في مشکل الآثار ،والحاکم في المستدرک ، وابن المغازلي الشافعي فيالمناقب ، وابن مندة الأصبهاني بعدّة طرق في تأليفه ، والخطيبالخوارزمي في المناقب ومقتل الإمام السبط عليه السلام ، والکنجي في کفاية الطالب ، ومحبّ الدين الطبريّ في الرياضالنضرة وذخائر العقبى ، والحمّوئي في فرائد السمطين ، والهيثميّ في مجمع الزوائد ، والذهبي في التلخيص ، والجَزْري في أسنى المطالب ، وأبو العبّاس القسطلاني في المواهباللدنيّة ، والمتّقي الهندي في کنز العمّال ، والهَرَويّ القاري في المرقاة في شرح المشکاة ، وتاج الدين المناوي فيکنوز الحقائق في حديث خير الخلائق وفيض القدير ، والشيخانيالقادري في الصراطالسويّ في مناقب آل النبيّ ، وباکثير المکّي في وسيلة المآل في مناقبالآل ، وأبو عبداللَّه الزرقاني المالکي في شرح المواهب ، وابن حمزةالدمشقي الحنفي في کتاب البيان والتعريف ، وغيرهم
.
کما أنَّ المفسِّر نُصْبُ عينيه آيٌ من القرآن الکريم نازلة في هذه المسألة يرى
من واجبه الإفاضة بما جاء في نزولها وتفسيرها ، ولا يرضى لنفسه أن يکون عملهمبتوراً ، وسعيه مُخدَجاً ، فذکرها من أئمّة التفسير : الطبريّ في تفسيره ،والثعلبي في تفسيره ، والواحدي في أسبابالنزول ، والقرطبي في تفسيره ، وأبو السعود في تفسيره ، والفخرالرازي في تفسيره الکبير ، وابن کثير الشامي في تفسيره ، والنيسابوري : المتوفّى في القرن الثامن في تفسيره ، وجلال الدين السيوطيفي تفسيره ، والخطيب الشربيني في تفسيره ، والآلوسي البغدادي فيتفسيره ، وغيرهم
.
والمتکلّم حين يقيم البراهين في کلّ مسألة من مسائل علم الکلام ، إذا انتهى بهالسير إلى مسألة الإمامة ، فلا مُنتدح له من التعرّض لحديث الغدير حجّةً على المُدّعىأو نقلاً لحجّة الخصم ، وإن أردفه بالمناقشة في الحساب عند الدلالة ، کالقاضي أبي بکرالباقلّاني البصري في التمهيد ، والقاضي عبدالرحمن الإيجيالشافعي في المواقف ، والسيِّد الشريف الجرجاني فيشرح المواقف ، والبيضاوي في طوالع الأنوار ، وشمس الدينالأصفهاني في مطالع الأنظار ، والتفتازاني في شرح المقاصد ،والقوْشَجي المولى علاء الدين في شرح التجريد . وهذا لفظهم
:
إنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد جمع الناس يوم غدير خُمّ - موضع بين مکة والمدينة بالجُحْفة
- وذلک بعد رجوعه من حجّة الوداع ، وکان يوماً صائفاً حتى إنَّ الرجل لَيضع رداءهتحت قدميه من شدّة الحرّ ، وجمع الرحال ، وصعد عليها ، وقال مخاطباً
: « معاشرَالمسلمين ألستُ أولى بکم من أنفسکم ؟ قالوا : اللّهمّ بلى
.
قال : من کنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُرْمن نَصره ، واخذُلْ من خَذله
» .
ومن المتکلّمين القاضي النجم محمد الشافعي في بديع المعاني ،وجلال الدين السيوطي في أربعينه ، ومفتي الشام حامد بن عليّ العمادي في الصلاتالفاخرة بالأحاديث المتواترة ، والآلوسي البغدادي في نثر اللآلي ،وغيرهم
.
واللغويّ لا يجد مُنتدَحاً من الإيعاز إلى حديث الغدير عند إفاضة القول فيمعنى
( المولى ) أو ( الخُمّ ) أو ( الغدير ) أو ( الوليّ ) ، کابن دُرَيد محمد بنالحسن في جمهرته ، وابنالأثير فيالنهاية ، والحموي في معجمالبلدان في ( خُمّ ) ، والزبيدي الحنفي في تاج العروس ، والنبهاني في المجموعة النبهانية
.
انتهای پیام
ملف المرفقات: