، هکذا مارس الإمام الخميني مسؤولياته الثورية، مارسها في إطار الوعي والتحليل الدقيق للأهداف والطروحات التي يواجه بها الخصم المد الثوري، فهو عندما يرفض التفاوض مع نظام الشاه، فلأن هذا التفاوض جاء في غير مرحلته کشعار، وجاء في غير زمنه بما يعبّر عنه من نوايا، وبالتالي فإن الانجرار وراءه، يعني انجراراً وراء أهداف عدوةٍ صمّمت ورسمت مساره وتسعى إلى تسويقه من أجل الإطاحة بحرکة الثورة الإسلامية
.
إن المرور ولو سريعاً على أحداث ما قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران يساعد کثيراً على إدراک رؤية الإمام، وقدراته التحليلية، وتشخيصاته الفکرية والسياسية، وتلک هي مفردات ما نسعى إليه تسليط الضوء عليه.. مفردات لعنوان الاستشراف الکبير، أو لعنوان الأفق الاستراتيجي الذي يطبع حرکة الإمام الثورية في محاور العمل الأساسية أو في التفصيلات
.
ولنسق هذا النموذج في التشخيص لبعض التيارات اليسارية والشيوعية في إيران والمنطقة، ليتضح کيف أنّ الإمام کشف عما يسمّى بالشيوعية الأميرکية أو تکتلات اليسار الأميرکي، يقول الإمام: (نرى أن الشاه يحاول تبرئة نفسه مما ارتکب من مجازر وجرائم طيلة سلطنته وهيمنته، ويحمّل مسؤولية کل ذلک للمسؤولين وکبار رجال الدولة ودليل ذلک محاولته تمييز بعض عناصره وأعوانه، إنه يخادع ويراوغ بتغيير وسائل الإجرام وآلاته متغافلاً عن مصدر الإجرام وأساسه
).
ويضيف الإمام: (فالأمة الواعية سوف لن تُخدع بأساليبه هذه, وسوف لن ننسى المجرم الأول, فتارة يصف لنا معارضيه بأنهم أشخاص يريدون تقسيم البلاد أو تسليط الاستعمار عليها.. وتارة يهدّد الشعب بخطر الشيوعية
).
ويحاول الإمام أن يوضّح ماهية الشيوعية الإيرانية بالقول: (ولعلّ البعض من السذّج خُدعوا بأحابيله، وتناسوا أن الاشتراکية والشيوعية ما وُجدت في إيران إلا عن طريق الأميرکيين أنفسهم، وکما أوجدت بريطانيا حزب تودة الشيوعي، وقد زعم الخبراء والمتخصصون أن جلّ المتحمّسين للفکر الشيوعي في المنطقة هم من زعماء أميرکا، أولئک يسعون لمحاربة النهضات الوطنية والدينية عبر الاشتراکية، تلک التي شهدنا تجربتها تاريخياً في السنين الأخيرة والشيوعية في الواقع خير شاهد على ذلک)[3].. هکذا کان الإمام الخميني يفصل ماهية التيارات الفکرية وحقيقتها عن الاسم والعنوان، ليکشف بذلک عن ألاعيب القوى الکبرى وأساليبها في إحباط الشعوب
.
عادل رؤوف
*من کتاب (الإمام الخميني قراءة في مقومات مشروعه الثوري الإسلامي)
[1] سورة الرعد، الآية:11.
[2] في بيان للإمام الخميني في العام 1977م.
[3] في بيان للإمام أصدره في 10 حزيران 1978م.
انتهای پیام
ملف المرفقات: