۱۳۹۳/۳/۱۶   14:35  زيارة:2344     الاخبار

بسم الله الرحمن الرحیم
الإمام الخميني رجل القرن العشرين، ورجل القرن الحادي والعشرين

 


الإمام الخميني رجل القرن العشرين، ورجل القرن الحادي والعشرين

 
وعندما نقول: رجل القرن الحادي والعشرين؛ فإننا نحاول هنا أن نقرأ هذه المقولة عبر شقّين من الحديث عن حياة الإمام السياسية وما اتخذته من صبغة استراتيجية أو بالأحرى محتوى استراتيجي.
شق يتمثل بما أثبتته الأحداث من رؤى سياسية للإمام، وشق ثانً يتصل بما توقّعه الإمام لمستقبل المسيرة الإسلامية، سواء ما يتعلق منها بجانب الصراع مع القوى الکبرى, أو ما يتعلّق بمستقبل المنطقة الإسلامية ذاتها.
والمهم هو أن نقول أيضاً: إن الإمام سرّب هذه الرؤية عبر مجموعة من القرارات والمواقف التي تشکل فهماً ثورياً في العمل السياسي وإدارة الأمور السياسية مع قوى الکفر والاستغلال والهيمنة، وأن الهم المرجعي والهم الحوزوي وإعطاء الدروس وما تحتاجه الدراسة الفقهية من وقتٍ وتفرّغ لم تمنع الإمام من أن يواکب الحرکة السياسية في إيران والمنطقة الإسلامية، والعالم برمّته؛ بل لعلّ الإمام يذهبُ إلى أبعدَ من حد الاهتمام في الأمور السياسية.. إنما هو يعتبرها الهدف الأساسي للإسلام کرسالةٍ في أبعادها الاجتماعية والکونية والإدارية.. وکنظام جاء به الرسول الأکرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده الإمام علي (عليه السلام) ومن هنا فإن الإمام الخميني أعطى المعنى الحقيقي لدور المرجع في استنطاق النص الفقهي، وتوظيف هذا النص في بناء هيکل الرسالة الإسلامية العام.
وقبل أن نبدأ رحلة الاستشراف ببعدها الفکري والسياسي الاستراتيجي، لابدّ من القول: إنَّ هنالک العديد من الرموز العلمائية التي لعبت أدواراً سياسية مهمةً، إلا أنها لم تستطع أن تؤدي الدور الذي أدّاه الإمام, ولم تستطع أن تنقذ الإسلام من المؤامرات الکبرى التي حيکت إزاءه، کما لم تستطع أن تؤسس للإسلام الثوري السياسي الذي أصبح اليوم جزءاً من معادلة الصراع العالمي القائم.. وأخيراً فإنها لم تستطع أن تستشرف الأفق کما استشرفه الإمام، وحدد ملامحه في أکثر من تصريح ومناسبة ومکان، فبماذا إذاً؟ بماذا انفرد الإمام عن الآخرين في القيم السلوکية والتکوين والرؤية حتى استطاع أن ينجز ما أنجز، ويؤسس ما أسس من صروح للإسلام السياسي في هذا العالم؟
لاشک أن هذا السؤال هو بدرجة من الصعوبة، بحيث لا يمکن لأحد ببساطة أن يحيط بکامل الصفات التي کوّنت الإمام کظاهرة وخط, إلا أننا نحاول هنا أن نحدد بعض الجوانب المهمة التي ميّزت الإمام عن غيره.
أولاً: إذا تأمّلنا في ما قاله في يوم من الأيام، وذلک عندما اعتقلته قوات السافاک التابعة لنظام الشاه السابق، إذا تأمّلنا قول الإمام: (إنني لم أعرف معنى للخوف في حياتي) أدرکنا أن هذا الرجل هو ليس کغيره من الرجال، فغالباً ما يکون الخوف سبباً مهماً من أسباب اللجوء إلى المساومة أو الانسحاب من ساحة الأحداث، أو التلکّؤ في المسيرة الثورية. وغالباً ما يُغلّف هذا الخوف بألف مبرر ومبرر من مبررات المصلحة العامة التي تنتهي فيما بعد إلى توقف المسيرة الثورية.
وقد کان الإمام الخميني يعي مخاطر هذا النقص النفسي لا سيما في الدائرة القيادية... لذا نراه في معظم دروسه ومحاضراته يُرکّز عليه کمرضٍ وطرفٍ في معادلةٍ يتشکّل على طرفها الآخر الخوف من الله، فمن يخشى الله لا يخشى غيره.
ولعلّ الإمام يُبحرُ بمعاني ودرجات هذه الخشية من الله بالشکل الذي يعطيه صفة خاصة ويبلور لديه قدرةً داخليةً على قول الحق وملاحقته، وقدرة تصميم خارقةً على أداء مسؤوليته کإنسان أولاً، وکعالم دين ومرجع ثانياً. وبالتأکيد أن کل ذلک نابع من قوة روحية داخلية هائلة تجعله ينظر إلى المواجهة لا بموازين القوى المادية الظاهرة فقط، إنما بالموازين المادية والمعنوية الإلهية، وهذه الموازين المعنوية هي الحاسمة النهائية في تقرير شؤون الکون{إن الله لا يُغيّرُ ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم}[1].
ثانياً: إن الإمام ومن خلال معظم خطاباته وأقواله کان قد شخّص طبيعة المواجهة مع القوى الکبرى، فهذه القوى لا علاقة لها بالإسلام کدين فردي وعبادات وطقوس ومسائل فقهية تتعلق بالطهارة والسلوک الخاص، إنما هي عملت لقرون عديدة من أجل إزاحة الإسلام السياسي عن الحياة الإسلامية، تارةً بالحروب، وتارة أخرى بطرح بدائل(إسلامية) کالإسلام الشکلي، والإسلام الرسمي، الذي يُذکر في الأعياد والمناسبات، وتارة ثالثة بزرع تيارات فکرية وسياسية في المنطقة تُنظّر لفصل الدين عن السياسة، وتارة رابعة بإثارة النعرات الطائفية والعنصرية وترويج الطروحات القومية، کل ذلک بغية سلب الإسلام مضمونه الکوني والسياسي والإداري والحضاري وإبقائه کامناً في العبادات الفردية.
هذا العمل التاريخي الطاغوتي نجح في عزل الإسلام السياسي عن مسرح الحياة، وجرّد هذا الإسلام عن کياناته المرکزية التي تمثّلت آخر أشکالها بالدولة العثمانية، کدولة مرکزية للمسلمين، وبالتالي مزّق العالم الإسلامي إلى مجموعة أجزاء متناحرة، ووضع داخل کل جزء عدداً لا ينتهي من الأزمات المؤجّلة وربط عجلة اقتصاد هذه الدول والأجزاء بسياسة النهب الدولية المُنظّمة لثروات العالم الإسلامي.. نجح إذاً المخطط الدولي التاريخي حيال الإسلام، ليجد العالم الإسلامي نفسه فيما بعد مشلول الإرادة أمام قوة التغيّرات العالمية التي انتهت لغير صالح الإسلام، فمن يا تُرى قادرٌ على أن يشخّص المواجهة بهذه الخلفية، ويمتلک المقوّمات وما تحتاج إليه مسيرة الإنقاذ من جرأة وعناد ثوري؟
ثالثاً: شخّص الإمام هذه الخلفية ووضع على أساسها أولويات أهداف الحرکة الثورية، کما سعى في الوقت ذاته إلى تحديد ملامح المنهج الحرکي الثوري، والذي يقرأ سيرة الإمام الخميني يکاد لا يرى حديثاً من أحاديثه وقد أسقط عنه هذا المعنى المرتبط بعلاقة الدين بالسياسة.. ويکاد هذا المعنى يشکّل الرکيزة الدائمة فيما يقول عن الإسلام، والدين، والثورة، والواقع، والغزو الفکري، والثقافات المستوردة.
إذاً سبقُ التشخيص والإصرار على إثارته خلال سبعين عاماً من حياة الإمام الخميني السياسية، هو من الأمور الحيوية والمصيرية التي انفرد بها هذا الرجل العملاق، إذ إنه في النهاية، استطاع أن يعطي الإسلام مضمونه السياسي والحضاري، واستطاع أن يهزم جهود مئات من السنين التي بذلها الأعداء بغية تحقيق هدفهم المشؤوم.
لازال الإمام هو ذلک اللغز المحيّر الذي تدور کل دوائر الاستکبار العالمي لاستنطاق أسراره وکوامن قوّته الروحية والنفسية والوجدانية, التي استطاعت أن تتحدى النظام الدولي القديم، وأن تُربک کبار هذا العالم، وأن تعرقل قيام النظام الدولي الجديد.. إذ لازال هذا النظام لم يتشکّل حتى الآن، ويراد له أن يقوم على أنقاض تراث الإمام من الحرکة الثورية السياسية للإسلام التي قادها هذا الراحل العظيم بعنفوان قلّ نظيره، وبتحد تحوّل فيما بعد إلى مدرسة ثورية في المقاومة، تجد مصاديقها الثورية في شتّى أرجاء العالم الإسلامي، بل وفي شتّى أرجاء المعمورة الباحثة عن حرية الإنسان المسحوقة بعجلة الظلم الدولي.
وعودة إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران هي أکثر من ضرورية الآن لبلورة المنهج الثوري للإمام, والوقوف على المحطّات الاستشرافية التي أفرزها الإمام بحسّه السياسي الدقيق.
يقول الإمام: (تاريخ إيران ومنذ الحرکة الدستورية لم تشهد أعضاء برلمان کهذا، إذ ينسبون الهجمة والوحشية لأبناء أذربيجان المؤمنين المحترمين، نعم إنّ برلماناً يُعدّ من قِبَل الشاه يجب أن لا يُتوقّع من أعضائه غير هذا. اليوم اجتمعت هتافات الجماهير في کافة الأزقة والطرق (الموت للشاه) وسوف لن يستطيع أي شخص أن يثني عزيمة الشعب للإطاحة بالشاه الذي هو بحق سبب کافة الجرائم والانتهاکات اللامشروعة)[2].
وفي هذا النص يبدو الإمام وکأنه يتجاوز حدود تقرير حقيقة النصر الإلهي، حتى وإن تحالفت هذه القوى، ومارست ما تستطيع ممارسته من بطشِ وقتلٍ وإرهابٍ وحيل سياسية ماکرة. وبالإضافة إلى البعد الاستشرافي لذلک النص، فإنه يعبّر بوضوح عن بعض ملامح منهج الإمام السياسي، في العمل، والمسيرة الثورية، فالإمام کان يعي من الناحية السياسية أهداف کل الأساليب الداخلية والخارجية التي يُراد لها أن تحول دون تحقيق النصر، ففي محاولات متکررة وعديدة للهروب من استحقاق الهزيمة أمام المدّ الثوري الإسلامي کان النظام الإيراني السابق والبائد قد لجأ إلى تحريک ورقة البرلمان في البت في الأحداث الداخلية؛ بغية إعطاء قراراته طابعاً دستورياً وقانونياً، ولم يألُ الإمام جهداً في کشف ألاعيب النظام، ووضع النقاط على الحروف، وتحليل خطواته ساعةً بساعة ويوماً بيوم.. أي : إن الإمام کان يخوض تفاصيل المعرکة السياسية بعقل تحليلي بارع مدرک لأساليب العدو، ويضع من خلال خطاباته وبياناته الثورية، الخطوط العريضة لحرکة الثورة وبما يُحبط أساليب الأعداء، ويحول دون تحقيق مؤامراتهم، ويصون الثورة من الانحراف عن خطّها الإسلامي.
وعلى صعيد الأساليب العدوة لم يقاوم الإمام لعبة البرلمان، إنما لاحق المکر الشاهنشاهي بکل أشکاله، وبما يُعجّل تحقيق الانتصار الثوري، ففي الوقت الذي سعى فيه نظام الشاه إلى الإطاحة بالثورة عبر سياسة شقّ القوى الثورية، ومدّ يده إلى التفاوض مع بعض القوى المساومة فقد وقف الإمام لهذه المحاولة الجديدة بالمرصاد رافضاً أي شکل من أشکال التفاوض، وعازماً على مواصلة المسيرة الثورية دون أن يقع ضحية الخوف أو الإغراء. فردّ على الدعوات التي انطلقت بضرورة التفاوض مع الشاه فقال الإمام: (إن أمة الإسلام وأمة إيران لم ولن تتفاوض مع هذا الرجل مطلقاً، کل من ينادي بالمفاوضة هو خائن وعميل، وإن ما نادت به بعض الأحزاب فيما يتعلق بتطبيق الدستور ما هو في الحقيقة إلا دعوة لتثبيت أقدام الشاه وهذه هي الخيانة بحد ذاتها، يجب على دعاة تطبيق الدستور أن يعيدوا النظر بقوانينه التي فرضت بحد السلاح والقوة، وکما قال أحد کبار السياسيين: إن الإيرانيين أمام طريقين اثنين: إما الحرية وإما الشاه، ولکن الشعب سوف يختار الحرية, وسوف يطيح بالشاه بعون الله).
هذه الـ(لا) الخمينية القوية لمقولات(الإصلاح) ولتفعيل البرلمان ولدعوات التفاوض، ولعشرات الحيل التي لجأ إليها الشاه في أيامه الأخيرة، هي (لا) نابعة من وعي سياسي کبير بما يحاک للثورة من مؤامرات.. إنها (لا) تُعبّر عن شکلين من أشکال العقلية الثورية..
وهما: العقلية الثورية المرحلية، والعقلية الثورية الاستراتيجية، ففي الأولى ـ أي المرحلية ـ غالباً ما تنتهي قيادة أي حرکة ثورية إلى نکسات على المدى البعيد، حتى وإن حققت امتيازاً مرحلياً ومؤقتاً، وحتى وإن حصلت على بعض المکاسب الشکلية، فهذه الامتيازات والمکاسب سرعان ما يُطاح بها عندما يخف الزخم الثوري وتُفکّک مفاصل الثورة، ويجري استيعاب الفعل الثوري عبر أساليب إغرائية متعددة، وعندها يکون الخصم قد انتصر على أساس من سياسة المکر والخديعة والإطاحة بالأطر، وما أکثر الحرکات والحالات الثورية تاريخياً وآنياً التي راحت ضحية هذه السياسة وسقطت في مطبّات الأهداف المرحلية.
وفي مقابل هذا المکر السياسي الساعي إلى إسقاط الثورات في مطبّ الأهداف المرحلية مما يغيّر طريقها، ويبّدد زخم الثورة، هنالک العقلية الثورية الاستراتيجية التي تحسب شروط مرحلة الثورة بدقةٍ، وتسعى من خلال ممارستها الثورية إلى تحديد ثوابت وملامح المنهج الثوري الأصيل الذي لا يسقط في فخ المرحلية، إنما هو يستوعبها ويؤسس عليها أهدافه الثورية البعيدة، هکذا مارس الإمام الخميني مسؤولياته الثورية، مارسها في إطار الوعي والتحليل الدقيق للأهداف والطروحات التي يواجه بها الخصم المد الثوري، فهو عندما يرفض التفاوض مع نظام الشاه، فلأن هذا التفاوض جاء في غير مرحلته کشعار، وجاء في غير زمنه بما يعبّر عنه من نوايا، وبالتالي فإن الانجرار وراءه، يعني انجراراً وراء أهداف عدوةٍ صمّمت ورسمت مساره وتسعى إلى تسويقه من أجل الإطاحة بحرکة الثورة الإسلامية.
إن المرور ولو سريعاً على أحداث ما قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران يساعد کثيراً على إدراک رؤية الإمام، وقدراته التحليلية، وتشخيصاته الفکرية والسياسية، وتلک هي مفردات ما نسعى إليه تسليط الضوء عليه.. مفردات لعنوان الاستشراف الکبير، أو لعنوان الأفق الاستراتيجي الذي يطبع حرکة الإمام الثورية في محاور العمل الأساسية أو في التفصيلات.
ولنسق هذا النموذج في التشخيص لبعض التيارات اليسارية والشيوعية في إيران والمنطقة، ليتضح کيف أنّ الإمام کشف عما يسمّى بالشيوعية الأميرکية أو تکتلات اليسار الأميرکي، يقول الإمام: (نرى أن الشاه يحاول تبرئة نفسه مما ارتکب من مجازر وجرائم طيلة سلطنته وهيمنته، ويحمّل مسؤولية کل ذلک للمسؤولين وکبار رجال الدولة ودليل ذلک محاولته تمييز بعض عناصره وأعوانه، إنه يخادع ويراوغ بتغيير وسائل الإجرام وآلاته متغافلاً عن مصدر الإجرام وأساسه).
ويضيف الإمام: (فالأمة الواعية سوف لن تُخدع بأساليبه هذه, وسوف لن ننسى المجرم الأول, فتارة يصف لنا معارضيه بأنهم أشخاص يريدون تقسيم البلاد أو تسليط الاستعمار عليها.. وتارة يهدّد الشعب بخطر الشيوعية).
ويحاول الإمام أن يوضّح ماهية الشيوعية الإيرانية بالقول: (ولعلّ البعض من السذّج خُدعوا بأحابيله، وتناسوا أن الاشتراکية والشيوعية ما وُجدت في إيران إلا عن طريق الأميرکيين أنفسهم، وکما أوجدت بريطانيا حزب تودة الشيوعي، وقد زعم الخبراء والمتخصصون أن جلّ المتحمّسين للفکر الشيوعي في المنطقة هم من زعماء أميرکا، أولئک يسعون لمحاربة النهضات الوطنية والدينية عبر الاشتراکية، تلک التي شهدنا تجربتها تاريخياً في السنين الأخيرة والشيوعية في الواقع خير شاهد على ذلک)[3].. هکذا کان الإمام الخميني يفصل ماهية التيارات الفکرية وحقيقتها عن الاسم والعنوان، ليکشف بذلک عن ألاعيب القوى الکبرى وأساليبها في إحباط الشعوب.

عادل رؤوف
*من کتاب (الإمام الخميني قراءة في مقومات مشروعه الثوري الإسلامي)
[1] سورة الرعد، الآية:11.
[2] في بيان للإمام الخميني في العام 1977م.
[3] في بيان للإمام أصدره في 10 حزيران 1978م.
 


انتهای پیام