1/12/2020         زيارة:1524       رمز المادة:۹۳۷۳۱۸          ارسال هذه الرسالة إلى أخرى

ارشیو خطبات نماز جمعه » ارشیو خطبات نماز جمعه
  ،   14 جمادی الأول 1441ق، الموافق 10 کانون الثانی 2020م.

الخطبة الاولی للجمعة 20  دی 1398ش، الموافق 14 جمادی الأول 1441ق، الموافق 10  کانون الثانی 2020م.

بسم الله الرحمن الرحیم.

بعد شهادة أن لا اله الا الله و أن محمد رسول الله و أن المعاد حق، أوصیکم و نفسی بتقوی الله. و التقوی هو امتثال أوامر الله و نواهیه، و أداء حقوق الله و حقوق الناس، و حفظ حدود الله عز و جلّ، و التجنب عن المکر و الکید. فالتقوی ان نحفظ حدود الله و أن نعلم أننا دائما فی حضرة الله سبحانه و تعالی، فهو یرانا و کل ما نعمل.

اتقدم بالتعازی لصاحب العصر و الزمان (ارواح العالمین لتراب مقدمه الفداء ) و إیاکم أجمعین بشهادة سیدة الکونین فاطمة الزهراء سلام الله علیها. و کذلک أعزیکم مرة أخری بشهادة سید جبهات القتال الحاج قاسم سلیمانی و رفیق دربه الحاج ابو مهدی المهندس و الثلة المؤمنة من الحشد الشعبی التی کانت ترافقهم علی ید قوی الشر العالمیة بقیادة أمریکا الشیطان الأکبر.  و کذلک أعزیکم برحلة بعض المؤمنین المشیّعین جنازة الحاج قاسم السلیمانی بکرمان، و الذین ماتوا فی حادثة سقوط الطائرة. و نستغفر الله لهم أجمعین، و نسأله أن یرفع درجاتهم أجمعین.

من المواضیع المهمة التی ینبغی ان یُتکلم عنها فی هذه الأیام، البحث عن الصبر و المقاومة. الصبر و المقاومة من السنن الالهیة. نری السقف مرفوعا لا یسقط، و الأرض تحملنا و کذلک جمیع أشیاء العالم نراها تستقیم، و لیست هذه الاستقامة فی جمیع ارکان العالم و ذراته الا لأن الله سبحانه و تعالی اعطاهم صبرا. فعلینا ان نصبر فی کل ما یصیبنا. هناک آیات فی القرآن الکریم تعیننا علی ان نعرف مبحث الصبر بأحسن وجه. منها ما قال الله سبحانه و تعالی:

قُلْ يا عِبادِ الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّکُمْ لِلَّذينَ أَحْسَنُوا في‏ هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِساب‏. (الزمر، 10)

هذا الأجر الذی وعد الله به الصابرین، قسم منه فی هذه الدنیا و القسم الآخر و هو أکبر القسمین و أحسنهما، سوف یکون فی الآخرة.

نری فی آیةأخری تسلّم الملائکة علی الصابرین.

سَلامٌ عَلَيْکُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار. (الرعد، 24)

و نری فی آیة ثالثة یقول الله سبحانه و تعالی:

وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَ کانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ. (السجدة، 24)

و تعرفون أن الله عز و جلّ ابتلی ابراهیم بکلمات عدیدة، و بعد ان نجح ابراهیم علیه السلام فی جمیع الابتلاءات، و صبر علی کل بلاء، جعله الله إماما للناس. قال الله سبحانه:

وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهيمَ رَبُّهُ بِکَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتي‏ قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ. (البقرة، 124)

أمیر المؤمنین علی علیه السلام قال:

عَلَيْکُمْ بِالصَّبْرِ فَإِنَّ الصَّبْرَ مِنَ الْإِيمَانِ کَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ وَ لَا خَيْرَ فِي جَسَدٍ لَا رَأْسَ مَعَهُ وَ لَا [خَيْرَ] فِي إِيمَانٍ لَا صَبْرَ مَعَه‏. (نهج البلاغة، الحکمة، 79)

أیها الإخوة الأعزاء! لیس المراد من الصبر ان نکون کأرض میّتة، کل من اراد، مشی علیه من دون ان تحتجّ، کلّا! لیس من الصبر ان نسکت أمام کل ظلم، و لا نقوم أمام الظلم و الظالمین. قد یقال: لو ضربک أحد علی أحد خدیک فاعرض علیه الخدّ الآخر. لیس الصبر بهذا المعنی. الصابر هو الذی یحاول أن یأخذ حقه، و أن یحیی حقوق الناس، و یقوم أمام الظلم و لا یتحمل الظلم. و فی هذا الطریق لو ابتلی بمشکلة أو مصیبة، یصبر.

الصبر کما جاء فی الروایات علی ثلاثة اقسام:

الصبر علی المصیبة، و الصبر علی طاعة الله و الصبر علی معصیته. جاء فی روایة أنه:

 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: الصَّبْرُ ثَلَاثَةٌ: صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَ صَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ، وَ صَبْرٌ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ حَتّى‏ يَرُدَّهَا بِحُسْنِ عَزَائِهَا، کَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَلَاثَمِائَةِ دَرَجَةٍ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ کَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَ مَنْ صَبَرَ عَلَى الطَّاعَةِ، کَتَبَ اللَّهُ لَهُ سِتَّمِائَةِ دَرَجَةٍ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ کَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إِلَى الْعَرْشِ، وَ مَنْ صَبَرَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، کَتَبَ اللَّهُ لَهُ تِسْعَمِائَةِ دَرَجَةٍ. (الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، 3/236)

هذه الدنیا مملوة بالمصیبات و المکاره. کنقص من الأموال، و الأنفس و الثمرات و المرض و .... القرآن الکریم أشار الی ذلک:

وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرينَ. (البقرة، 155)

علل و اسباب هذه المصیبات و البلایا تختلف، فبعض هذه المصیبات یمکن ان تکون بما کسبت أیدینا کما قال الله سبحانه و تعالی:

ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما کَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذيقَهُمْ بَعْضَ الَّذي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. (الروم، 41)

و أیضا یمکن أن یکون بعض هذه المصیبات بظلم من الآخرین. و أیضا یمکن ان یکون بعضها لابتلاء من الله سبحانه و تعالی.

الدنیا عالم المادة، و عالم المادة مملو بالتعارض، و لا یستثنی منه أحد. قال الله سبحانه و تعالی:

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ في‏ کَبَد. (البلد، 4)

و أشرف الخلق النبی الأعظم صلی الله علیه و آله و سلم:

ما أوذي نبيّ مثل ما اوذيت‏. (کبير مدني الشيرازي، سيد على خان بن احمد، رياض السالکين في شرح صحيفة سيّد الساجدين‏، 1/469)

فلنعلم أنه لا یستثنی أحد من الناس من البلاء و المصیبة. جمیع الناس یبتلون بالمصیبات و البلایا، و لکننا لا نری الا بلایانا، فنظنّ أنّ الآخرین لا مشکلة لدیهم. لنعلم، لا یستثنی أحد من الابتلاء بالمصیبة، نعم مصیباتهم و بلایاهم تختلف.

القسم الثانی من أقسام الصبر هو الصبر علی طاعة الله سبحانه و تعالی. قال الله سبحانه و تعالی:

رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَ اصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا. (مریم، 15)

أیها الأعزاء! الحیاة مملوة بالمکرّرات. مثلا یجب علینا أن نصلّی کل یوم، و کذلک کتب علینا أن نصوم کل سنة، و .... و هذا لا تختص بالأمور المعنویة و العبادیة فقط، بل حیاتنا الظاهریة و المادیة أیضا کذلک، فهی مملوة بالمکرّرات، کالتنفس، و الاستراحة و أکل الغذاء و شرب الماء و النوم و و و .... فاذا کان استفادتنا من النعم الالهیة مکرّرا، فیجب ان یکون الشکر ایضا مکرّرا. و من أسالیب الشکر، العبادة. فلنعبد الله عز و جل دائما لأننا نستفید من نعمه دائما.

من الأمور التی یحاول الشیطان ان یبعّد الناس عنها، العبادة. فکلما عزم شخص ان یعبد الله، یأتی الشیطان و یوسوس فی صدره، و بهذا الطریق یحاول ان یمنعه من ذلک العمل الصالح. أوّلا یحاول ان یمنعه من الاعمال الصالحة، و لو لم یستطع ان یمنعه من ذلک العمل الصالح، فیحاول ان یُفسد عمله. و محاولة الشیطان هذه لا تختص بعمل واجب أو مستحب، بل یحاول ان یمنع الانسان من جمیع الاعمال الصالحة، سواء کانت واجبة أو مستحبة. و أمره بالمنکرات أیضا لا یختص بالنواهی المحرمة، بل یعمّ المکروهات أیضا.

هنا أشیر الی حکم شرعی. أیها الأعزاء! العبادة وظیفة من وظائفنا فلا خیار لنا فی أدائها و عدم ادائها، بل یجب أن نؤدیها، و أما النوافل فلسنا بالنسبة لها مجبورین، و لکنها اظهار حبنا لله سبحانه و تعالی، لأننا نظهر بأداء النوافل أننا نحبّ الله و لهذا نؤدی النوافل علی رغم أننا لسنا مجبورین علی ادائها، فعلینا ان نُظهر حبنا لله سبحانه و تعالی بأداء النوافل و فعل المستحبات. تعرفون أن الصلاة الواجبة فی کل یوم سبعة عشر رکعة، و النوافل ستة و ثلاثین رکعة. و تعرفون أنّ للظهر ثمانیة رکعات نافلة، و کذلک للعصر، تصلّی قبل صلاة الظهر و العصر. و أوصیکم أنکم لو لم تستطیعوا أن تؤدوا جمیع النوافل الیومیة فلا تترکوا کلها. هذا بالنسبة لغیر یوم الجمعة، و أما یوم الجمعة فمن حیث تبدأ خطبتا الجمعة بعد أذان الظهر بلا فصل، و بعد الخطبتین تصلی صلاة الجمعة بلا فصل، ثم صلاة الظهر و العصر (قد أوصینا أن نصلی صلاة العصر بعد صلاة الجمعة بلا فصل)، فمن اراد ان یصلی نوافل الظهر و العصر فیستطیع ان یصلیها من طلوع الشمس الی زوال الشمس. و أیضا هناک اربعة رکعات أخری نافلة تصلی یوم الجمعة و وقتها أیضا من طلوع الشمس الی اذان الظهر. فنوافل الظهر و العصر یوم الجمعة عشرون رکعة تصلی من طلوع الشمس الی اذان الظهر. نعم جاء فی بعض الروایات أن النبی الاکرم صلی الله علیه و آله و سلم کان یصلی بعض الاحیان رکعتین من هذه العشرین بعد اذان الظهر، ثم خطبتا الجمعة.

فأیها الأعزاء! حاولوا ان تؤدوا النوافل و لو بعضها. و کما قلت، کلما اراد شخص ان یعمل عملا صالحا، یوسوس الشیطان حتی یحذره عن ذلک العمل الصالح، و الوسوسة التی یوسوس به الشیطان کثیرا من الذین یریدون ان یؤدوا النوافل، هی أنه یقول هذا العمل لیس واجبا، و انما هو مستحب، أو یقول: هذا سوف یکون من الریاء و .... ففی هکذا الموارد ینبغی ان یتنبه الی أن هذا وسوسة من الشیطان، فلا ینبغی أن یعتنی به.

و من النکات المهمة التی یجب ان نتوجه الیها، هی أننا کلما اردنا أن نأمر شخصا بالمعروف أو ننهاه عن المنکر، فیوسوس الشیطان و یقول: أنت مهما اردت ان تعبد و تعمل اعمالا صالحا، اعمل، و لکن لا تتدخّل فی حیاة الآخرین. اسمحهم یعیشون کما یریدون کما أنک تعیش کما ترید. فلک دینک و لهم دینهم. أو یقول: أنک لست مسؤولا عما یفعل الآخرون، أو یقول: لو أمرته بالمعروف أو نهیته عن المنکر، فهو سیغضب، و .... الأمثال من هذا القبیل کلها خطأ، و فی الحقیقة وسوسة من وساوس الشیطان. أمرنا الله أن نأمر بالمعروف و ننهی عن المنکر، و الشیطان یأمرنا عکس هذا، یأمرنا ان نأمر بالمنکر و ننهی عن المعروف.

الوساوس من هذا القبیل لا تختص بالأمر بالمعروف أو النهی عن المنکر فقط، و انما تعمّ جمیع الأعمال الصالحة. مثلا الریاضة، فمن حیث هی لازمة لصحة البدن، و البدن الصحیح یعیننا علی اداء وظائفنا الدینیة، فهی أیضا من الأعمال الصالحة من هذه الجهة. و الذین لا یرتاضون لو ارادوا ان یمارسوا ریاضة فیوسوس الشیطان و یدعوهم الی الکسلان بحجج مختلفة.

فجمیع الاعمال الصالحة تحتاج الی الصبر، لأن الشیطان یوسوس فی صدورنا فنحتاج الی الصبر علی الطاعة.

و أما القسم الثالث من اقسام الصبر، فهو الصبر علی المعصیة. فی کثیر من الاحیان یعزم الانسان ان یفعل بعض الاعمال لغضبه أو شهوته، و هذا یوقعه فی معصیة الله سبحانه و تعالی. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم:

حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَکَارِهِ وَ حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِدَاوُدَ ع حَرَامٌ عَلَى کُلِّ قَلْبِ عَالِمٍ مُحِبٍّ لِلشَّهَوَاتِ أَنْ أَجْعَلَهُ إِمَاماً لِلْمُتَّقِينَ. (فتال النيشابورى، محمد بن احمد، روضة الواعظين و بصيرة المتعظين‏، 2/421)

قد یحبّ طبع الانسان بعض الاعمال و یدعوه شهوته أو غضبه الیها، و لکن الله عز و جلّ نهاه عنها، ففی هکذا الموارد یحتاج الانسان الی الصبر کی یقوم أمام شهوته أو غضبه. لما راودت زلیخا یوسف علیه السلام عن نفسه و تهیّأت له علیه السلام جمیع أجواء المعصیة، فصبر علی تلک المعصیة. قال القرآن الکریم:

وَ رَاوَدَتْهُ الَّتىِ هُوَ فىِ بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَ قَالَتْ هَيْتَ لَکَ  قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ  إِنَّهُ رَبىّ‏ِ أَحْسَنَ مَثْوَاىَ  إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُون‏. وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ  وَ هَمَّ  بِها لَوْ لَا أَن رَّءَا بُرْهَنَ رَبِّهِ  کَذَالِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشَاءَ  إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ. وَ اسْتَبَقَا الْبَابَ وَ قَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَ أَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ  قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِکَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيم‏ (یوسف، 23-25)

فیوسف علیه السلام صبر علی المعصیة و سعی الی الباب کی لا یقع فی المعصیة و لکن مع ذلک لم یبرّء نفسه. قال الله سبحانه حاکیا عن قول یوسف علیه السلام:

وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسي‏ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحيمٌ. (یوسف، 52)

من أکمل مصادیق الصابرین الأنبیاء علیهم السلام. قال تعالی:

وَ کَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ کَثيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ في‏ سَبيلِ اللَّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَکانُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرينَ. (آل عمران، 146)

و أیضا من مصادیق الصابرین المجاهدون. قال الله سبحانه و تعالی:

قالَ الَّذينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ کَمْ مِنْ فِئَةٍ قَليلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً کَثيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرين‏. (البقرة، 249)

الصبر علی کید الکافرین و المنافقین أیضا من المصادیق المهمةللصبر. فهم لا یحبون ان یمسّ المؤمنین حسنة فلذا یکیدون لکی یضروا الاسلام و أهله. قال الله سبحانه و تعالی:

إِنْ تَمْسَسْکُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْکُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لا يَضُرُّکُمْ کَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحيط. (آل عمران، 120)

أیها الأعزاء! هذه الآیات موازین، یمکننا ان نزن علیها الأمم و المجتمعات و الأشخاص حتی نعلم من هو صدیقنا و من هو عدوّنا.

هنا أرید ان اقول لجمیع المسلمین: أیها الأخوة المسلمون! الهنا واحد، قرآننا واحد، قبلتنا واحد، کعبتنا واحد، نبینا واحد، فکیف لا نستطیع ان نتحد و نکون أمة واحدة. نستطیع ان نتحد و نؤسس سوقا اقتصادیا مشترکا، و مراکز ثقافیة مشترکة، و حتی نستطیع ان نجعل نظام الأمن لجمیع بلادنا الاسلامیة نظاما مشترکا. کیف نتحد مع الذین لا یشترکون معنا فی أمر من أمور الدین، لا فی الاعتقاد بالله سبحانه و لا فی الاعتقاد بنبوة النبی الاعظم صلی الله علیه و آله و سلم و لا فی الکتاب الذی نعتقد به، و ....

اعلموا أیها الإخوة المسلمون، لا یهمّهم الا منافعهم، و لا یحبّون الا ما یضرّکم فی دینکم و دنیاکم. و فی کثیر من الأحیان یصرّحون ما یریدون. فعلینا ان نبتعد عنهم و نتحد فیما بیننا. خلافاتنا الاعتقادیة و الفقهیة لیست الی حدّ لا یسمحنا ان نتحد. و مشترکاتنا أکثر من خلافاتنا.

قال الله سبحانه و تعالی حاکیا عن قول لقمان لابنه:

يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ اصْبِرْ عَلى‏ ما أَصابَکَ إِنَّ ذلِکَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. (لقمان، 17)

فهذه الآیة الکریمة تعلّمنا أن الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر مقرون بکثیر من المشاکل و الصعوبات و المصیبات و علینا ان نصبر علیها. فیمکن ان یهیننا من نأمره بالمعروف أو ننهاه عن المنکر، و لعل 90% من موارد الامر بالمعروف و النهی عن المنکر تستلزم الإهانة و المشاکل الأخری. فی أکثر موارد الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر لا یقبلون، بل فی کثیر من الموارد یغضبون أو یهینون. و لکن علی رغم جمیع هذه المشاکل و الصعوبات فی اداء وظیفة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر، لا ینبغی ان نغفل عنه.

الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر قد ضعف فی أکثر المجتمعات البشریة. و من علل شیوع المعاصی و الظلم فی المجتمعات، ترک الامر بالمعروف و النهی عن المنکر.

اسأل الله ان یعیننا علی المصیبات و ما یصیبنا من المکاره، و أن یرزقنا توفیق ان نصبر عند المصیبات و علی الطاعات و عن المعصیات، حتی نستطیع ان نؤدی جمیع وظائفنا بأحسن وجه.

اللهم صل علی محمد و آل محمد و عجل فرج آل محمد

الخطبة الثانیة للجمعة 20  دی 1398ش، الموافق 14 جمادی الأول 1441ق، الموافق 10  کانون الثانی 2020م.

بسم الله الرحمن الرحیم.

أوصیکم عباد الله و نفسی بتقوی الله و نظم أمرکم و صلاح ذات بینکم. و هذه الثلاثة من جملة ما أوصی به أمیر المؤمنین علی بن ابی طالب علیه الصلاة و السلام قبل شهادته.

و إصلاح ذات البین یبدأ من أفراد العائلة، الی المجتمع الکبیر الاسلامی الذی هو کعائلة کبیرة و هذا ما نسمیه الوحدة بین المسلمین، و قد أشرت الی هذا فی الخطبة الأولی. فجمیع المسلمین علی رغم مذاهبهم المختلفة، ینبغی ان یکونوا فیما بینهم إخوة، کما قال الله سبحانه و تعالی:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْکُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُون‏. (الحجرات، 10)

و المراد من المؤمنین هم المسلمون کلهم أجمعون. و أما الخلافات فینبغی ان یحاولوا ان یحلّوها بالکلام و المباحثة و تبادل الأفکار و الدلائل، و لو لم تنحلّ الخلافات رغم الکلام و تبادل الأفکار  فهذا أیضا لیس معناه أن یصبحوا أعداء، بل یمکن ان یکونوا إخوة علی رغم الخلافات، لأننا نری أنّ أفراد عائلة واحدة صغیرة ایضا لا یتفقون فی جمیع المسائل و مع هذا یعیشون معا من دون صراع.

هذا ما أشرت الیه فی الخطبة الأولی، و أما الخطبة الثانیة فأرید ان اتکلم حول حوادث الاسبوع الماضی. فأقرء لکم روایة عن الامام الباقر علیه السلام قال:

کَأَنِّي بِقَوْمٍ قَدْ خَرَجُوا بِالْمَشْرِقِ يَطْلُبُونَ الْحَقَّ فَلَا يُعْطَوْنَهُ ثُمَّ يَطْلُبُونَهُ فَلَا يُعْطَوْنَهُ فَإِذَا رَأَوْا ذَلِکَ وَضَعُوا سُيُوفَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوهُ فَلَا يَقْبَلُونَهُ حَتَّى يَقُومُوا وَ لَا يَدْفَعُونَهَا إِلَّا إِلَى صَاحِبِکُمْ قَتْلَاهُمْ شُهَدَاءُ أَمَا إِنِّي لَوْ أَدْرَکْتُ ذَلِکَ لَاسْتَبْقَيْتُ نَفْسِي لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ. (ابن أبي زينب، محمد بن ابراهيم‏، الغيبة للنعماني‏، 273)

هذه الروایة نقلها کثیر من العلماء، و صحّحوها. و استنتجوا منها أنّ العمر الطبیعی لأئمتنا لم یکن طویلة، و الامام الصادق علیه السلام الذی هو شیخ أئمتنا (بعد صاحب عصرنا) لأنه أطولهم سنّا بعد إمام زماننا (لأن عمر إمام زماننا أکثر من الف سنة و هو حیّ الی الآن و نسأل الله ان یحفظه)، و کان عمر الامام الصادق خمسة و ستین سنة. فالامام الباقر علیه السلام یقول:

أَمَا إِنِّي لَوْ أَدْرَکْتُ ذَلِکَ لَاسْتَبْقَيْتُ نَفْسِي لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ.

مرّ أربعون سنة من انتصار الثورة الاسلامیة و نرجو ان نطبق هذه الروایة علی الثورة الاسلامیة فی ایران. الثورة الاسلامیة التی أسسها امامنا الراحل آیة الله العظمی السید روح الله الخمینی رحمه الله، و هی تتقوی کشجرة طیّبة علی یدی قائدنا العزیز آیة الله العظمی السید علی الخامنه (دامت برکاته)، هی لا تستهدف الا بسط العدل فی أنحاء العالم. فلا ینبغی ان تخشی البلاد المختلفة من الجمهوریة الاسلامیة، لأنها لا تحارب الا الظلم و الظالمین.

یوم الأمس کان ذکری شهادة فاطمة الزهراء بنت رسول الله، أم السبطین، زوجة أمیر المؤمنین، سیدة نساء العالمین سلام الله علیها. هی استشهدت مدافعا عن الحق و الولایة. و من حیث نحن من أتباعها و الأئمة الطاهرین قامعی الکفر و الطغیان، فعلینا ان نحامی فی حیاتنا الفردیة و الاجتماعیة عن الحق، و العدل. و لا ینبغی ان نخاف أحدا غیر الله. قال الله سبحانه و تعالی:

فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْني‏ وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتي‏ عَلَيْکُمْ وَ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُون‏. (البقرة، 150)

فلا ینبغی ان نخشاهم، و انما ینبغی ان نخاف ان لا نکون متقین. و المراد من خشیة الله ان نتقیه فی جمیع جوانب حیاتنا الفردیة و الاجتماعیة. ارید ان اذکر لکم جملة من الشهید محمد باقر الصدر رحمه الله قالها قبل اثنین و اربعین سنة من انتصار الثورة الاسلامیة، لأن الشهید الصدر استشهد فی سنة 1356ش أو 1357ش علی أیدی حزب البعث.

هو یقول:

ذوبوا فی الامام (الامام الخمینی ره) کما هو ذاب فی الاسلام.

ما هو المراد من الذوب فی الاسلام؟ المراد منه التبعیة الکاملة عن الاسلام و کل ما جاء به النبی الاعظم صلی الله علیه و آله و سلم.

کانت فاطمة الزهراء سلام الله علیها مذوبا فی الاسلام و القرآن. و من حیث کان الامام الخمینی رحمه الله مطیعا محضا لها و لسائر المعصومین علیهم السلام، فهو أیضا بتبعیته عنهم ذاب فی الاسلام، و کذلک سیدنا القائد الکبیر آیة الله العظمی الخامنه دامت برکاته و سائر مراجعنا العظام حفهم الله اتبعوا محمدا و آل محمد علیهم السلام فذابوا فی الاسلام و القرآن.

فنحن لو اردنا ان نکون مسلمین و مؤمنین بمعنی الواقعی للکلمة، فینبغی ان نذوب فی هؤلاء العظام، بالعمل علی ما یعطوننا من أوامر القرآن و السنة.

اللهم عجل لولیک الفرج و العافیة و النصر و اجعلنا بفضلک من اعوانه و انصاره و شیعته. اللهم أیّد الاسلام و المسلمین و اخذل الکفار و المنافقین. اللهم انصر من نصر الدین و اخذل من خذل المسلمین. اللهم ارزقنا البصیرة القرآنیة، اللهم ارزقنا توفیق معرفة الدین و توفیق العمل به. اللهم! ارزقنا توفیق نصرة صاحب زماننا، اللهم ارزقنا توفیق ان نحیی حیاة طیّبة، و کذلک أولادنا.

اللهم صل علی محمد و آل محمد و عجل فرج آل محمد.



ملف المرفقات:
وجهة نظر الزوار

وجهة النظر الخاصة بك


امنیت اطلاعات و ارتباطات ناجی ممیزی امنیت Security Audits سنجش آسیب پذیری ها Vulnerability Assesment تست نفوذ Penetration Test امنیت منابع انسانی هک و نفوذ آموزش هک