۱۳۹۸/۵/۳   15:36  زيارة:1544     ارشیو خطبات نماز جمعه


11 رمضان المبارک 1440ق، الموافق 17 أیار 2019م.

 


الخطبة الاولی للجمعة 27  اردیبهشت 1398ش، الموافق 11 رمضان المبارک 1440ق، الموافق 17  أیار 2019م.

بسم الله الرحمن الرحیم.

أوصیکم عباد الله و نفسی بتقوی الله.

ارجو الله ان یرزقنا توفیق العبودیة فی جمیع شؤون الحیاة. فی الجمعة الماضیة تکلمنا حول خطبة المتقین من أمیر المؤمنین علیه السلام، و وصل بنا الکلام الی أن للمتقین أوصاف ذکرها أمیر المؤمنین علیه السلام. و ذکرنا: أن هذه الخطبة أوردها أمیر المؤمنین اجابة لما طلب منه علیه السلام أحد أصحابه کان اسمه همام. فقال هذا الشخص لأمیر المؤمنین علیه السلام: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صِفْ لِيَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى کَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِم‏. (نهج البلاغة، الخطبة، 193)

فبدایة تثاقل أمیر المؤمنین علیه السلام عن جوابه و لکن همام أصرّ علی الجواب، فذکر له أمیر المؤمنین علیه السلام أوصاف المتقین، و تکلمنا حول بعض الصفات التی ذکرها أمیر المؤمنین علیه السلام، منها: مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ وَ مَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ وَ مَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ. (نفس المصدر)

و بیّنّا أن التواضع هو ما یقابل الکبر، و الکبر علی نوعین: الکبر أمام الله عز و جل، و الکبر أمام المخلوق. و أول من استکبر أمام الربّ، هو إبلیس. فقال الله سبحانه و تعالی فیه: أَبى‏ وَ اسْتَکْبَرَ وَ کانَ مِنَ الْکافِرين‏. (البقرة، 34)

و المراد من المتکبر أمام المخلوق ایضا واضح. فهو الذی یستکبر لکثرة المال، أو لشیء آخر. و الآن سوف نبیّن بعض الصفات الأخری علی ما ذکر أمیر المؤمنین علیه السلام فی هذه الخطبة التی سمیت بخطبة المتقین. فقال علیه السلام:

غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ‏ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ وَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ کَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ وَ لَوْ لَا الْأَجَلُ الَّذِي کَتَبَ اللَّهُ [لَهُمْ‏] عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ. (نفس المصدر)

فهؤلاء یعیشون کأنهم یرون الجنة و النار فلا یشکون فیهما. فقال مولی المتقین:

فَهُمْ وَ الْجَنَّةُ کَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ.

و یظهر من کلام أمیر المؤمین علیه السلام أن المتقین یعیشون کأنهم یعیشون فی الجنة متنعّمین. فهؤلاء لا یرون الی الجنة کوعد سوف یفی به الله غدا یوم القیامة، بل یرون الیها کحقیقة ثابتة فی الخارج، بحیث یعیشون فیها. فمن کان له ارتباط وثیق بالله سبحانه و تعالی، لا یخاف أحدا غیر الله، لأنه قد عَظُمَ الْخَالِقُ فِي نفسه فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي عینه. و هذا ما جاء فی القرآن الکریم:

بَلى‏ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُون‏. (البقرة، 112)

وَ هُمْ وَ النَّارُ کَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ. (نهج البلاغة، الخطبة، 193)

فنظرتهم للنار أیضا کمن رآها، فهو لا یتجرأ ان یعصی الله، لأنه یری نفسه معذبا فی النار لو عصی ربه. مثلا اذا علمنا أن شیئا حارّ الی حد یحرقنا، فلا نلمسه، و لکن اذا علمنا انه لیس حارا، فلا نخافه. فاذا کان المائع حارّا و لکن لم یعلم أحد، فشربه باعتقاد انه لیس حارا، فیحترق. المتقون یعتقدون بالنار کأنهم رأوه معذّبین، فأحسّوا حرارتها بتمام وجودهم.

ثم قال علیه السلام: قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ. (نفس المصدر)

و المراد أن قلوبهم لا یشتغل بفرح الدنیا بحیث تغفل عن الله سبحانه و عما أمره ربه به. فقلوبهم محزونة و لکن وجوهم فرحة، کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام: الْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ وَ حُزْنُهُ فِي قَلْبِه‏. (نهج البلاغة، الحکمة، 341)

فهو یحزن لأنه یعرف و یعتقد أنه مسجون فی هذه الدنیا، و یعتقد أن فی کثیر من الأحیان یصدر عنه المعصیة و هو غافل. فهو یحزن لأنه یری أنه قد تبعّد عن الله سبحانه لموانع الدنیا. فلذا أحلی الاوقات عند المؤمن هو وقت العبادة. لأنه أثناء العبادة یری نفسه قد تقرب الی الله سبحانه، أو أن الله سبحانه و تعالی قد قرّبه الیه. و هذا مشترک بین جمیع العبادات، فهی تقرّب العبد من الله عز و جل. و تقلّ من الفواصل. و لهذا المؤمنون یفرحون عندما یعبدون الله. و حالة الفرح هذه تتکثر عند اکتمال العبادة. لذا نری فی بعض الروایات أن أفرح الأوقات عند المؤمن هو وقت الإفطار، الذی قد أکمل فیه عبادة الصوم، فیشکر الله و یقول: اللهم اشکرک علی ما انعمت علیّ بإیصالی الی ما طلبت منّی. اللهم اشکرک علی ان وفقتنی لطاعتک. اللهم اشکرک علی أن رزقتنی توفیق ان لا اتمرد عن أمرک، و ان لا اعصیک.

ثم قال علیه السلام: وَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ. (نفس المصدر)

و هذا ما قد ورد فی روایات عدیدة. قال الامام ابو جعفر محمد بن علی علیهما السلام:

الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَ يَدِه‏. (الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، 3/592)

قد یقول بعض: أنا لا اظلم احدا بیدیّ و لم اضربه. نعم هذا مطلوب، و لکن لیس کافیا. لأنه یلزم ان یسلم الناس من لسانک و یدک معا. فلو لم تظلم احدا بیدیک، و لکنک اتهمت احدا، او اغتبتَ أحدا، أو قلتَ لأحد شیئا قد کسرتَ قلبه، و .... کل هذه محرّمة، و تحسب من الشرّ الذی یُخرج الشخص من الایمان و التقوی. فالمتقون هم الذین أمن الناس شرورهم. و یشیر الی هذا إتیان أمیر المؤمنین علیه السلام کلمة «الشرور» التی هی جمع «الشرّ»، فالتقوی یطلب ان یأمن الناس جمیع الشرور التی یمکن ان تصدر من شخص. سواء کان هذا الشرّ لسانیا، عملیا، أو قلبیا (کما قال الله سبحانه و تعالی: وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَد. (الفلق، 5)

فالمتقی یأمن الناس من شروره و یرجون خیراته. فیعتقد فیه الناس أنه کلما احتاجوا الیه، هو یعینهم بکل ما استطاع.

وَ أَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ. (نهج البلاغة، الخطبة، 193)

و لیس المراد من «نحیفة» أنه لا لحم علی اجسادهم، و انما المراد منه انهم لا یهتمون بالاجساد أکثر من الامور المعنویة، و الامور الجسدیة لیست اساس اعمالهم و حیاتهم. بل الاصل هو عبودیة الله عز و جلّ.

ثم قال علیه السلام: وَ حَاجَاتُهُم‏ ْ خَفِيفَةٌ. (نفس المصدر)

هم قلیل المؤونة. لأنهم لم یکثروا حاجاتهم. ابین لکم خفّة الحاجات بروایة عن الامام الصادق علیه السلام. ورد فی روایة أن الامام الصادق اراد یوما ان یذهب الی المرحاض العام لیستحم، و کان صاحب الحمام یعرف الامام علیه السلام فاراد ان یفرغ الحمام للامام علیه السلام، کی یستحم من دون ان یکون هناک شخص آخر، فمنعه الامام علیه السلام و قال، لا حاجة الی هذا.

نحن فی حیاتنا الاعتیادیة نکثر حاجاتنا مجاملةً. و لکن المتقین لیسوا کذلک، فهم لا یکثّرون حاجاتهم، بل حاجاتهم قلیلة بقدر ما هو لازم للحیاة. و لهذا هم قلیل المؤونة.

ثم قال أمیر المؤمنین علیه السلام: وَ أَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ. (نفس المصدر)

فأنفسهم عفیفة فی جمیع شؤون الحیاة لا فی بعضها. و العفة کما عرّفها العلماء، خلق إيماني رفيع للمؤمن، وثمرة من ثمار الإيمان بالله تعالى، العفة دعوة إلى البعد عن سفاسف الأمور وخدش المروءة والحياء، العفة لذة وانتصار على النفس والشهوات وتقوية لها على التمسک بالأفعال الجميلة والآداب النفسانية، العفة إقامة العفاف والنزاهة والطهارة في النفوس، وغرس الفضائل والمحاسن في المجتمعات. فالعفیف هو من کان لسانه طاهرا، و اذنه طاهرا، و و و .... و هذا قد ذکر فی الصائم، أنه لیس المراد من الصوم مجرد ترک الأکل و الشرب، و انما المراد ترک جمیع ما نهی الله تعالی عنه. فالصائم هو من کان عیناه صائما، و اذناه صائما و لسانه صائما، و و و ... و کذالک عندما نقول الورع و التقوی فهذا یشمل جمیع هذه. فلذا نری أن إمام المتقین وصف المتقین بأن أنفسهم عفیفة. فکل ما یبعّدنا عن الله عز و جلّ، یجب ان نجتنبه، و هذا ینقسم الی قسمین، قسم منه یرتبط بالله سبحانه و تعالی و قسم آخر منه یرتبط بخلقه سبحانه.

اذکر لکم مثالا. کان الامام الصادق علیه السلام یمشی فی السوق و کان معه رجل من اصحابه. و کان معه غلامه الذی أخذ مظلة علی رأسیهما. أثناء الطریق تأخر الغلام، و عندما افتقده سیده، غضب، و عندما لحقهما الغلام، سبّاه سیده. فتعجب الامام علیه السلام من کلامه، و قال له لماذا سبّبته؟ فأجاب هو عبد، و لا ندری دینه و کیف وُلد. فابتأس الامام علیه السلام و لم یُر هذا الشخص مع الامام علیه السلام بعد ذلک. جمیع اهل البیت علیهم السلام کانوا کذلک لأن کلهم نور واحد.

فالعفة تشمل جمیع شؤون الحیاة، و لا تختص ببعضها.

و الصفة الأخری التی ذکرها أمیر المؤمنین علیه السلام، هی أنهم: صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةٌ طَوِيلَةٌ. (نفس المصدر)

و الصبر علی ما جاء فی الروایات علی انواع. اذکر لکم روایة عن الامام الصادق علیه السلام قال: الصَّبْرُ صَبْرَانِ الصَّبْرُ عَلَى الْبَلَاءِ حَسَنٌ جَمِيلٌ وَ أَفْضَلُ مِنْهُ الصَّبْرُ عَلَى الْمَحَارِمِ. (الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، 3/234)

و جاء فی روایة أخری عن النبی الاکرم صلی الله علیه و آله و سلم: الصَّبْرُ ثَلَاثَةٌ صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَ صَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ وَ صَبْرٌ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ حَتَّى يَرُدَّهَا بِحُسْنِ عَزَائِهَا کَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَلَاثَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ کَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَ مَنْ صَبَرَ عَلَى الطَّاعَةِ کَتَبَ اللَّهُ لَهُ سِتَّمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ کَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إِلَى الْعَرْشِ وَ مَنْ صَبَرَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ کَتَبَ اللَّهُ لَهُ تِسْعَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ کَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إِلَى مُنْتَهَى الْعَرْشِ. (الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، 3/234)

القسم الأول من اقسام الصبر هو الصبر علی المصیبة. و المراد منه ان یصبر الانسان عند المصیبة و لا یترک طریق الشکر. لأن الله سبحانه و تعالی یبتلی عباده بانواع البلایا. فقال سبحانه و تعالی:

وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرينَ .الَّذينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. أُولئِکَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُهْتَدُون‏. (البقرة، 155-157)

قد ذکر الله سبحانه فی هذه الآیات مفتاح الصبر علی المصیبة و هو ان نعتقد انا لله و انا الیه راجعون. لأننا اذا اعتقدنا بهذا، نری أننا لا نمتلک انفسنا حتی نحزن علی المصیبة أو نشکو الله. و بالنتیجة نشکر الله عز و جل فی جمیع الاحوال. فهذا الاعتقاد یریحنا. کلما یموت شخص من اصدقائنا أو اقربائنا، أقرء هذا الشعر:

بر دوستان رفته چه افسوس می خوریم؟    با خود اگر قرار اقامت نداده ایم.

لماذا نحزن علی الاصدقاء المیتین؟           و نحن نعرف أننا ایضا لا نبقی حیّا.

فنعرف أننا سوف نلحق بهم. و فی کثیر من الاحیان خیرنا فی المصیبة و البلاء. اذکر لکم روایة. أهان شخص الامام الرضا علیه السلام أثناء الطریق. غضب اصحاب الامام الرضا علیه السلام، و ارادوا ان یأدّبوه، و لکن الامام علیه السلام نهاهم، و قال: اصبروا، هو سوف یکون من اصحابنا. تعجب الاصحاب. و لکنهم عندما جاؤوا الی الامام الرضا علیه السلام فی الیوم المقبل، رأوا أن ذلک الشخص یجلس أمام الامام علیه السلام علی رکبتیه. فتعجبوا، و سئلوا الامام علیه السلام عما حدث. فأمر الامام علیه السلام ذلک الشخص ان یبین لهم ما وقع. فقال: یوم امس، عندما ذهبت الی دکانی فی السوق، رأیت أنه قد احترق أکثر ما فیه من الاموال و المتاع، و الباقی قد سرقه الناس. فتوجهت الی الامام الرضا علیه السلام و لم أجد ملجأً سواه، فجئت الی محضره، و قلت له جمیع ما وقع لی، فسلّانی و اعطانی مالا حتی استطیع الکسب من البدایة. و بهذا الطریق فهمت خطائی. فاستعفیته و استغفرت الله.

ففی کثیر من الاحیان خیرنا فی التضرر و المصیبة و البلاء. فهذا الشخص الذی کان عدوا للامام الرضا علیه السلام، قد احترقت امواله و سُرق ما بقی، و لکن هذا سبّب أن یتوجه الی خطأه، و یرجع الی الامام علیه السلام. و هذا ما قال الله سبحانه: عَسى‏ أَنْ تَکْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَکُمْ وَ عَسى‏ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَکُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُون‏. (البقرة، 216)

فالله علی کل شیء قدیر، و لیس یده مغلولة. وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْديهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ کَيْفَ يَشاء. (المائدة، 64)

فبعض الاحیان ینجینا تضرّر و مصیبة.

فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَکْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَکْرَمَن‏. وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَن‏. (الفجر، 15-16)

فالمتقون هم الذین یقولون عند المصیبة: انا لله و انا الیه راجعون. فیدعون الله ان یرزقهم توفیق الصبر علی المصیبة التی نزلت علیهم.

و المراد من الصبر علی الطاعة أنهم لا یترکون الطاعة لمشاکل طریق الطاعة و صعوباته. نری فی التاریخ أن کثیرا من المسلمین کانوا یفرّون فی اللحظات الصعبة من الغزوات و الحروب. و هذا اشار الیه القرآن: إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى‏ أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوکُمْ في‏ أُخْراکُمْ فَأَثابَکُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِکَيْلا تَحْزَنُوا عَلى‏ ما فاتَکُمْ وَ لا ما أَصابَکُمْ وَ اللَّهُ خَبيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. (آل عمران، 153)

و لم یکن فرارهم من الجهاد الا لأنهم لم یستطیعوا أن یصبروا علی الطاعة.

و أما الصبر علی المعصیة فهو عندما یری الانسان امامه طریقان، طریق الطاعة و طریق المعصیة، و هو یرید المعصیة، أو فی بعض الاحیان یری نفسه یحتاج الی ارتکاب المعصیة، فیصبر عن المعصیة و یترکها ابتغاءً لوجه الله سبحانه. فی هکذا الموارد یدفع الشیطان الانسان الی طریق المعصیة، فمع کل هذا اذا ترک المعصیة و ذهب الی طریق الطاعة فهذا هو المؤمن المتقی.

ثم شبّه أمیر المؤمنین علیه السلام صبر المتقین أیاما قصیرة لراحة طویلة، بتجارة مربحة. فقال علیه السلام:

تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ. (نهج البلاغة، الخطبة، 193)

و هذا ما قال الله سبحانه: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها. (الأنعام، 160)

و التجارة مع الله عز و جل ربحه قطعی لا شکّ فیه، بخلاف ارباح الدنیا، فلا ضمان لها. و لکن المشکلة أننا فی کثیر من الاحیان لا نقبل ضمان الله سبحانه. مثلا یقول الله سبحانه للذین یریدون الزواج و یخافون الفقر:

وَ أَنْکِحُوا الْأَيامى‏ مِنْکُمْ وَ الصَّالِحينَ مِنْ عِبادِکُمْ وَ إِمائِکُمْ إِنْ يَکُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَليم‏. (النور، 32)

ففی هذه الآیة وعد الله الغناء للمتزوجین، و لکن مع ذلک کثیر منا لا یثق بوعد الله سبحانه و یترک الزواج بحجة أنه فقیر. و لنعلم کلما رجونا غیر الله و لم نعتمد علی الله سبحانه، نتضرر.

المتقون یتاجرون الله فلا یخسرون، لأن هذه التجارة قد أمّن الله ربحها. فلذا قال أمیر المؤمنین علیه السلم: تجارة مربحة...

ثم قال علیه السلام: أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا وَ لَمْ يُرِيدُوهَا. (نهج البلاغة، الخطبة، 193)

فأرادت الدنیا أن یشغلهم بها، و یغفلهم عن الله عز و جل و عن ذکره، و لکنهم لم یشتغلوا بها.

وَ أَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا. (نفس المصدر)

و تعرفون أن انسانا اذا أُسر یسلب منه الإرادة. فأذا أسرته الدنیا، یسلب منه الإرادة و بالنتیجة الدنیا هی التی تسوقه الی ما ارادت. مثلا نری فی أحکام القصر، أنه اذا کان شخص أسیرا عند آخر أو کان عبدا له، فلا یستطیع ان یعزم علی إقامة عشرة ایام، لأن عزمه لیس بیدیه، فلا یکون صلاته تماما الا اذا علم عزم سیده اقامة عشرة ایام. فمن اشتغل بالدنیا، فسوف تأسره الدنیا، و بالتالی لا یکون له أی ارادة و عزم، فینتظر ما تأمره الدنیا، و تقتضی منه.

المتقون عرفوا ذلک، فلم یریدو الدنیا مع أنها قد ارادتهم، فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا...

فهم یعبدون الله فی جمیع الاحوال.

أَمَّا اللَّيْلُ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا. (نفس المصدر)

فالمتقون هم الذین یصلون و یتلون القرآن و یناجون الله فی ظلمات اللیالی. و یتعاهدون مع الله أنهم لا یفرّون منه الی الدنیا. و قولهم قول السعدی:

من از آن روز که در بند توام آزادم                    پادشاهم که بدست تو اسیر افتادم

همه غم های جهان هیچ اثر می نکند       در من از بس که به دیدار عزیزت شادم

اللهم انا حرّ منذ یوم أُسرتُ عندک          و انا سلطان لأنی قد أسرت عندک

لا یحزننی أیّ همّ من هموم الدنیا            لأنی قد فرحت برؤیتک یا حبیبی

الناس علی نوعین، فهم فی حزب الله أو فی حزب الشیطان. و لا ثالث. فکلما بعدوا عن حزب الله فلیعلموا أنهم قد اقتربوا الی حزب الشیطان.

المتقون یحاولون دائما ان یستحکموا ارتباطهم بربهم بالصلاة و تلاوة القرآن و المناجاة و ... فهؤلاء یتلون أجزَاء الْقُرْآنِ و يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا، و یحاولون ان یفهموا ما یتلون من القرآن. فهؤلاء یعرفون کیف ینبغی هن تکون علاقتهم بالقرآن. فعندما یقرءونه یفهمون ما یقرءون و یحسّونه بتمام وجودهم.

يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ. (نهج البلاغة، الخطبة، 193)

جاء فی روایة أن الامام السجاد علیه السلام کلما کان یقرأ آیات العذاب، کان یبکی الی ان یرتعد جسمه. فلماذا انا لا أحس هذه الحالة عندما أقرء القرآن؟ لأنی لا أدرک ما أقرء و لا افهمه. فمهما کثر درکنا بالنسبة للقرآن، نتأثر أکثر فأکثر. یقول فحول علمائنا، کلما نقرء القرآن نری انفسنا کأننا نتلو القرآن أول مرة. فلنتدبر القرآن، حتی نستأنس به. و اذا تلوناه هکذا، فهو یکون دواء دائنا.

القرآن یعلمنا جمیع العلوم، من العلوم الاجتماعیة و العلوم  السیاسیة و العلوم الفردیة و کذلک یعلمنا تذکیة و تهذیب النفس. و ایضا یعلمنا کیفیة التعامل مع الطوائف المختلفة من الناس، فیعلمنا کیف نتعامل مع الکفار، و کیف نتعامل مع الطوائف المختلفة من المسلمین، و کیف نتعامل مع انفسنا و ..... القصص القرآنیة تعلمنا جمیع ذلک. فعلینا ان نستأنس بالقرآن. القرآن کتاب الهدایة، و هو دواء جمیع أدوائنا، کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام. نسأل الله ان یرزقنا توفیق درک حقیقة القرآن التی اذا ادرکها أحد لا یمکن له الفراق عنه.

اللهم بحق أمیر المؤمنین (علیه السلام) و بحق السیدة فاطمة (صلوات الله و سلامه علیها)، لا تکلنا علی انفسنا طرفة عین. اللهم اجعلنا نعلم التکالیف التی کلّفتنا بها، اللهم وفقنا لامتثال ما أمرتنا به، اللهم! احفظ خادمی الاسلام، و قائد الثورة الاسلامیة تحت ظلال حمایتک، اللهم رُدّ شرّ أعداء الاسلام الی انفسهم، اللهم! اغفر والدینا و جمیع موتانا و کل من له حق علینا، اللهم عجل فرج مولانا صاحب العصر و الزمان، و اجعلنا من اعوانه و انصاره.

اللهم صل علی محمد و آل محمد و عجل فرج آل محمد.

الخطبة الثانیة للجمعة 27  اردیبهشت 1398ش، الموافق 11 رمضان المبارک 1440ق، الموافق 17  أیار 2019م.

بسم الله الرحمن الرحیم.

اوصیکم عباد الله و نفسی بتقوی الله.

فی هذه الخطبة ارید ان اشیر الی بعض المناسبات. منها النصف من شهر رمضان المبارک. فهذا مولد الامام حسن المجتبی سبط النبی الاعظم صلوات الله علیهما. من الصفات البارزة للامام الحسن علیه السلام الحمایة عن الفقراء و المستضعفین.

جاء فی روایات المعصومین علیهم السلام: کلما رأیتم أن الله قد فضّل علیکم بأنه قد خوّل الیکم أمور بعض المحتاجین، فاشکروه. مثلا اذا جاء الیکم أحد و لدیه مشکلة مالیة و انتم تقدرون ان تساعدوه، فهذا إنعام الله علیکم. و من آثار اعراض الله سبحانه و تعالی عن أحد أن لا یسلّم الیه أمر أحد من المحتاجین و المستضعفین. فلنتأس بالامام الحسن علیه السلام فی الحمایة عن الفقراء و المستضعفین. فکان علیه السلام یحامی عن المستضعفین و لا سیما الایتام. هذا توفیق من الله عز و جل و ذخر للآخرة. یتعامل الله سبحانه و تعالی مع عبده کما یتعامل هو مع سائر العباد. فمن رحم الآخرین، و نصرهم و ساعدهم فی أمورهم بکل ما استطاع، فالله عز و جل سوف یرحمه و ینصره و یساعده فی أموره. فمن أراد أن ینصره الله فلینصر عباده. و هذا ما قال الله سبحانه و تعالی:

يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْکُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَکُم‏. (محمد، 7)

و من مصادیق نصر الله ان ننصر عباده. فینبغی ان نقوّی فی انفسنا حسّ المسؤولیة. الشیطان لا یحب ان نسیر هذا الطریق، فیأتینا بحجج کاذبة. مثلا یقول: لا نُسأل عما یفعله الآخرون، فعلیه ان یکسب لنفسه، و ربی هو الذی ربه، فلو اراد ان یرزقه لرزقه کما رزقنی. الشیطان یأتی بحجج کاذبة من هذا القبیل حتی یمنع الناس ان یطیعوا ربهم.

یتبارک الاموال اذا نصرنا الآخرین. یمثل علماء الاخلاق للانفاق بماء البئر. فمهما أخذنا منه ماءا، یمتلأ بماء آخر. فلنحسّ المسؤولیة بالنسبة لمشاکل الآخرین، فلو لم نفعل هذا، تقسی قلوبنا. قال الله:

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُکُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِکَ فَهِيَ کَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَة. (البقرة، 74)

لنتوسل بأئمة أهل البیت علیهم السلام الی الله حتی یجعل قلوبنا رؤوفا. الانفاق و الصدقة مطلوب عند الله عز و جل و لو علی غیر المؤمن حتی الدواب. جاء فی روایة ِ عَنْ نَجِيحٍ قَالَ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ع يَأْکُلُ وَ بَيْنَ يَدَيْهِ کَلْبٌ کُلَّمَا أَکَلَ لُقْمَةً طَرَحَ لِلْکَلْبِ مِثْلَهَا فَقُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَ لَا أَرْجُمُ هَذَا الْکَلْبَ عَنْ طَعَامِکَ قَالَ دَعْهُ إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَکُونَ ذُو رُوحٍ يَنْظُرُ فِي وَجْهِي وَ أَنَا آکُلُ ثُمَّ لَا أُطْعِمُهُ. (النورى، حسين بن محمد تقى‏، مستدرک الوسائل و مستنبط المسائل‏، 7/192)

هذه رأفة علّمنا أهل البیت علیهم السلام. فنحن مسؤولون بالنسبة للآخرین، بالنسبة لجمیع شؤون الحیاة، من الثواب و المعصیة. فما یقول بعض الناس من أنه لا یوضع الآخرون فی قبری و لا أُسألُ عما کانوا یفعلون، صحیح لا شکّ فیه. نعم لا یوضعون فی قبرک، و لکن توضع المسؤولیة بالنسبة لهم فی قبرک. و هذا هو المراد من قول الله عز و جل:

يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَ أَهْليکُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِکَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُون‏. (التحریم، 6)

فنحن مسؤولون بالنسبة للآخرین. و مساعدة المستحقین و المستضعفین و الایتام واجبة.

جاء فی روایة أن قوما تحتم علیهم العذاب، و نبیهم أخبرهم بنزول العذاب علیهم. فهذا القوم اثقبوا جدران غرفهم لنقل الغذاء فیما بینهم. و عندما رجع نبیهم بعد موعد العذاب رآهم لم ینزل علیهم العذاب. فسأل الله عن سبب نجاتهم، فنودی من الله سبحانه و تعالی: انجاهم الله للتراحم فیما بینهم.

الله سبحانه و تعالی یحبّ عبده الرحیم، و لو کان کافرا. جاء فی روایة عن أمیر المؤمنین علیه السلام: لَمَّا أَتَانَا سَبَايَا طَيٍّ فَإِذَا فِيهَا جَارِيَةٌ حَمَّاء ..... َقَالَتْ يَا مُحَمَّدُ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُخَلِّيَ عَنِّي وَ لَا تُشْمِتَ بِي أَحْيَاءَ الْعَرَبِ فَإِنِّي ابْنَةُ سَيِّدِ قَوْمِي کَانَ أَبِي يَفُکُّ الْعَانِيَ وَ يَحْمِي الذِّمَارَ وَ يُقْرِي الضَّيْفَ وَ يُشْبِعُ الْجَائِعَ وَ يُکْسِي الْمَعْدُومَ وَ يُفَرِّجُ عَنِ الْمَکْرُوبِ أَنَا ابْنَةُ حَاتِمِ طَيٍّ فَقَالَ صلی الله علیه و آله و سلم خَلُّوا عَنْهَا فَإِنَّ أَبَاهَا کَانَ يُحِبُّ مَکَارِمَ الْأَخْلَاقِ فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اللَّهُ يُحِبُّ مَکَارِمَ الْأَخْلَاقِ فَقَالَ يَا أَبَا بُرْدَةَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ إِلَّا بِحُسْنِ الْخُلُق‏. (النورى، حسين بن محمد تقى‏، مستدرک الوسائل و مستنبط المسائل‏، 11/194)

فلنراع مکارم الأخلاق. الشیطان یحاول ان یبعّدنا عنها بالخوف و غیره من الحجج الکاذبة. قال الله سبحانه:

الشَّيْطانُ يَعِدُکُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُکُمْ بِالْفَحْشاءِ وَ اللَّهُ يَعِدُکُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلاً وَ اللَّهُ واسِعٌ عَليم‏. (البقرة، 268)

فالشیطان یخیفنا من الفقر حتی یمنعنا عن مساعدة الآخرین، و بهذا الطریق یسوقنا الی الفحشاء و المنکر. فکلما رأینا انفسنا نقع فی وساوس الشیطان، ندعو الله و نعوذ به. لأن الشیطان الرجیم لا یدعونا الا الی المعصیة.

فلنتوسل بأهل البیت علیهم السلام فی هذا الشهر المبارک أکثر من الشهور الأخری، لأن ثواب اعمالنا فی هذا الشهر یتضاعف الی اضعاف کثیرة بالنسبة لسائر الشهور. جاء فی روایة عن سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم خَطَبَنَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْکُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَکَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ وَ أَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ وَ لَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي وَ سَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ وَ جُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ کَرَامَةِ اللَّهِ أَنْفَاسُکُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ وَ نَوْمُکُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ وَ عَمَلُکُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ وَ دُعَاؤُکُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّکُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ وَ قُلُوبٍ طَاهِرَةٍ أَنْ يُوَفِّقَکُمْ لِصِيَامِهِ وَ تِلَاوَةِ کِتَابِهِ فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ وَ اذْکُرُوا بِجُوعِکُمْ وَ عَطَشِکُمْ فِيهِ جُوعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ عَطَشَهُ وَ تَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِکُمْ وَ مَسَاکِينِکُمْ وَ وَقِّرُوا کِبَارَکُمْ وَ ارْحَمُوا صِغَارَکُمْ وَ صِلُوا أَرْحَامَکُمْ وَ احْفَظُوا أَلْسِنَتَکُمْ وَ غُضُّوا عَمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَکُمْ وَ عَمَّا لَا يَحِلُّ الِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَکُمْ وَ تَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أَيْتَامِکُمْ وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِکُمْ وَ ارْفَعُوا إِلَيْهِ أَيْدِيَکُمْ بِالدُّعَاءِ فِي أَوْقَاتِ صَلَاتِکُمْ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ السَّاعَاتِ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهَا بِالرَّحْمَةِ إِلَى عِبَادِهِ يُجِيبُهُمْ إِذَا نَاجَوْهُ وَ يُلَبِّيهِمْ إِذَا نَادَوْهُ وَ يُعْطِيهِمْ إِذَا سَأَلُوهُ وَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ إِذَا دَعَوْهُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَنْفُسَکُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِکُمْ فَکُفُّوهَا بِاسْتِغْفَارِکُمْ وَ ظُهُورُکُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِکُمْ فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِکُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِکْرُهُ أَقْسَمَ بِعِزَّتِهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ الْمُصَلِّينَ وَ السَّاجِدِينَ وَ أَنْ لَا يُرَوِّعَهُمْ بِالنَّارِ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِين‏... (ابن بابويه، محمد بن على‏، الأمالی، 94)

فثواب الاعمال فی هذا الشهر یتضاعف أضعافا کثیرة، و لذا یوصینا العلماء، أن نؤدی الحقوق الشرعیة فی هذا الشهر، کی یتضاعف ثوابها. و کذلک اذا اردنا ان ننفق، فالافضل ان ننفق فی هذا الشهر، (هذا لیس معناه ان لا ننفق فی سائر الشهور، لأنه کلما جاءنا سائل أو محروم أو محتاج، و استطعنا اعانته، فعلینا ان نعینه، و لا ینبغی ان نمنعه بحجة أنی سوف أنفق فی شهر رمضان).

فالأعمال الحسنة مطلوبة فی جمیع الشهور، و لکنها مؤکدة فی شهر رمضان. مثلا اذا عزمتم ان تسلموا کل شهر مقدارا من مالکم الی الفقراء و المساکین، أو عزمتم ان تعفو عن أحد، أو عزمتم ان تخفّفوا علی أحد فالأفضل ان یکون بدایته شهر رمضان.

علینا ان نطهّر فی هذا الشهر انفسنا و اموالنا. مثلا أضررنا شخصا فی الطفولة و الآن عزمنا ان نجبره، فشهر رمضان خیر فرصة لهذا. و کذلک اذا کان لأحد حق علینا فلنرد حقه الیه، و فی بعض الأحیان نعرف أن لبعض الناس حق علینا، و لا نعرفهم فعلینا ان ننفق بنیة ردّ المظالم. و ایضا یجب ان نطهر اموالنا بأداء الخمس. و المراد من الخمس ان نؤدی خمس ما بقی من منافع تجارتنا و غیره من المنافع بعد مؤونة السنة. (و التفصیل مذکور فی رسائل توضیح المسائل).

قال الله سبحانه و تعالی: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى‏ وَ الْيَتامى‏ وَ الْمَساکينِ وَ ابْنِ السَّبيل‏. (الأنفال، 41)

و اعلموا ایها الاعزاء، کلما اردتم ان تؤدوا خمس الاموال کی تطهّروها، یخیفکم الشیطان من الفقر، و قلة الأموال و یأتی بالحجج الکاذبة، کقوله هذه الاموال انتم کسبتموها بأیدیکم، فلماذا تؤدون للآخرین. و لکن هذا لیس الا حجة کاذبة، یرید الشیطان ان یمنعکم من امتثال امر الله سبحانه. و اعلموا الله الذی أمرکم بأداء الخمس، هو الذی وعد ان یبارک لکم فی أموالکم. و نعرف أن ید الله لیست مغلولة بل هی مبسوطة، فهو یقدر علی ان یضاعف لنا اضعافا کثیرة. فلو اعتقدنا أن جمیع ما بأیدینا من الأموال هو لله سبحانه و تعالی و هو مالکها، فصرفها فی سبیل الله لا یکون صعبا علینا. و هذا الضابط یجری فی جمیع شؤون حیاتنا. فأذا اعتقدنا انا لله سبحانه، فلا نخاف من صرف وقتنا و قواتنا فی سبیله. لأننا لا نری لأنفسنا حقا علی أنفسنا، و انما هذا النفس و الجسد أمانة بأیدینا، و صاحب الأمانة هو الله عز و جلّ.

قد یحدث أننا نصرف وقتنا و عمرنا فی کسب أو تجارة و لکن لا نربح منها شیئا، و لا یکون هذا الا لأن الله لم یبارک لا فیه. و لکن هناک أمور یبارک الله سبحانه لنا فیها، فنربح بها بأقل سعی و مشقة. بعض الأوقات مبارکة، فمن عمل فیها، یبارک له الله فی عمله. من صرف وقته للناس، فالله یبارک له. فلنعلم أن کلّ ما بأیدینا من النفس و الجسد و الأموال و و و ... أمانة من الله. و یستحب ان یُردّ الأمانة الی صاحبها بأحسن وجه. مثلا اذا اخذنا قرضا حسنا فیستحب عند اداءه ان نضیف علیه شیئا هدیةً (و ینبغی ان نعرف أنه اذا اشترط الاضافة فهذا رباء محرم). فانظروا الی من کان وقته و عمره و محاولاته و جمیع أموره مبارکة. هناک بعض الناس بارک الله فی اعمارهم. کأصحاب سید الشهداء الامام الحسین علیه السلام، فلم یکن لدیهم الا حیاة واحدة، و لکن عاشوا بنحو بورک فی عمرهم، و الآن مرّ من شهادتهم اربعة عشر قرنا، و هم أحیاء، و نحن ندعو: یا لیتنا کنا معکم فنفوز فوزا عظیما.

قال أمیر المؤمنین علیه السلام:

أَحْيِ قَلْبَکَ بِالْمَوْعِظَة. (ابن شعبه حرانى، حسن بن على‏، تحف العقول، 69)

فقد یحدث أن یموت قلب أحد. و طریق إحیائه هو الموعظة. و لیس المراد هنا من موت القلب هو توقف نبض القلب، و انما المراد أنه لا یتأثر بشیء من معارف الله، و لا یفهم شیئا من الحق. فکأنه حیّ قد مات، لأن القلب بعد لا یقدر أن یرتبط بالله سبحانه. و من کان حاله هذا، فعلیه أن یحیی قلبه بالموعظة. قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی حدیث آخر:

الْمُؤْمِنُ يَحْتَاجُ إِلَى تَوْفِيقٍ مِنَ اللَّهِ وَ وَاعِظٍ مِنْ نَفْسِهِ وَ قَبُولٍ مِمَّنْ يَنْصَحُهُ. (ابن شعبه حرانى، حسن بن على‏، تحف العقول، 457)

فلنعظ أنفسنا، کلما تفردنا. و لنتأمل ما فعلنا بالآخرین و اذا کان هناک خطأ فی عملنا فلنعظ أنفسنا حتی نصلح عملنا. و لنتأمل فی حیاتنا الماضیة، لنری، هل هناک شیئ فعلناه لإصلاح أمور الناس، أو هناک عمل عملناه لوجه الله، کیف أفنینا عمرنا؟ أ فی طاعة الله أم فی طاعة الشیطان؟ العمر یفنی بنحو لا ندرک، و اذا سئلنا عجوزا، کیف مضت عمرک؟ سوف یجیب: کأنه لم یکن الا طرفة عین. فلنعظ أنفسنا کلما تفردنا.

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: وَ مَوِّتْهُ بِالزُّهْدِ وَ قَوِّهِ بِالْيَقِينِ وَ ذَلِّلْهُ بِالْمَوْتِ وَ قَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ وَ بَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا وَ حَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَ فُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ وَ اعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ وَ ذَکِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ کَانَ قَبْلَهُ وَ سِرْ فِي بِلَادِهِمْ وَ آثَارِهِمْ وَ انْظُرْ مَا فَعَلُوا وَ أَيْنَ حَلُّوا وَ عَمَّا انْتَقَلُوا فَإِنَّکَ تَجِدُهُمُ انْتَقَلُوا عَنِ الْأَحِبَّةِ وَ حَلُّوا دَارَ الْغُرْبَة... (ابن شعبه حرانى، حسن بن على‏، تحف العقول، 69)

الشیطان (سواء کان من الجنة أم من الناس)، یزیّن الدنیا لعباد الله. و تعرفون أنه یستخدم آلتین: المال و القوة. هوّ یغرّ و یُطمع الی الدنیا و یُخیف من فقدها. و جمیع الحکومات الشیطانیة استخدمت هاتین الآلتین، فکانوا یغرّون الناس و اذا لم یغترّوا فیخیفونهم. شیاطین الجن و الإنس یریدون من عباد الله أن یعبدوهم. أقص لکم قصة عابد بنی إسرائیل و کیف أصبح عابدا للشیطان.

کَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ عَابِدٌ اسْمُهُ بَرْصِيصَا عَبَدَ اللَّهَ زَمَاناً مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى کَانَ يُؤْتَى بِالْمَجَانِينِ يُدَاوِيهِمْ وَ يَعُودُهُمْ فَيَبْرَءُونَ عَلَى يَدِهِ وَ أَنَّهُ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ فِي شَرَفٍ قَدْ جَنَتْ وَ کَانَ لَهَا إِخْوَةٌ فَأَتَوْهُ بِهَا وَ کَانَتْ عِنْدَهُ فَلَمْ يَزَلِ الشَّيْطَانُ يُزَيِّنُ لَهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ. فَلَمَّا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا قَتَلَهَا وَ دَفَنَهَا. فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِکَ ذَهَبَ الشَّيْطَانُ حَتَّى لَقِيَ أَحَدَ إِخْوَتِهَا فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي فَعَلَ الرَّاهِبُ وَ أَنَّهُ دَفَنَهَا فِي مَکَانِ کَذَا ثُمَّ أَتَى بِبَقِيَّةِ إِخْوَتِهَا رَجُلًا رَجُلًا فَذَکَرَ لَهُ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَلْقَى أَخَاهُ فَيَقُولُ وَ اللَّهِ لَقَدْ أَتَانِي آتٍ ذَکَرَ لِي شَيْئاً يَکْبُرُ عَلَيَّ ذِکْرُهُ فَذَکَرَهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ حَتَّى بَلَغَ مَلِکَهُمْ. فَسَارَ الْمَلِکُ وَ النَّاسُ فَاسْتَزْلَوُهُ فَأَقَرَّ لَهُمْ بِالَّذِي فَعَلَ فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ. فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى خَشَبَةٍ تَمَثَّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ أَنَا الَّذِي أَلْقَيْتُکَ فِي هَذَا فَهَلْ أَنْتَ مُطِيعِي فِيمَا أَقُولُ لَکَ أُخَلِّصْکَ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ اسْجُدْ لِي سَجْدَةً وَاحِدَةً فَقَالَ کَيْفَ أَسْجُدُ لَکَ وَ أَنَا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ قَالَ أَکْتَفِي مِنْکَ بِالْإِيمَاءِ فَأَوْمَى لَهُ بِالسُّجُودِ فَکَفَرَ بِاللَّهِ وَ قَتَلَ الْمَرْأَةَ. فَأَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى قِصَّتِهِ فِي قَوْلِهِ «کَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اکْفُرْ فَلَمَّا کَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْکَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِين‏». (الجزائرى، نعمت الله بن عبد الله‏،  النور المبين في قصص الأنبياء و المرسلين‏، 460)

فکل من توکل علی غیر الله سبحانه و تعالی، و عمل لغیر الله، سوف یفشل و ییأس. جاء فی حدیث قدسی، قال الله عز و جل:

وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي وَ مَجْدِي وَ ارْتِفَاعِي عَلَى عَرْشِي لَأَقْطَعَنَّ أَمَلَ کُلِّ مُؤَمِّلٍ [مِنَ النَّاسِ‏] غَيْرِي بِالْيَأْسِ وَ لَأَکْسُوَنَّهُ ثَوْبَ الْمَذَلَّةِ عِنْدَ النَّاسِ وَ لَأُنَحِّيَنَّهُ مِنْ قُرْبِي وَ لَأُبَعِّدَنَّهُ مِنْ فَضْلِي أَ يُؤَمِّلُ غَيْرِي فِي الشَّدَائِدِ وَ الشَّدَائِدُ بِيَدِي وَ يَرْجُو غَيْرِي وَ يَقْرَعُ بِالْفِکْرِ بَابَ غَيْرِي وَ بِيَدِي مَفَاتِيحُ الْأَبْوَابِ وَ هِيَ مُغْلَقَةٌ وَ بَابِي مَفْتُوحٌ لِمَنْ دَعَانِي فَمَنْ ذَا الَّذِي أَمَّلَنِي لِنَوَائِبِهِ فَقَطَعْتُهُ دُونَهَا وَ مَنْ ذَا الَّذِي رَجَانِي لِعَظِيمَةٍ فَقَطَعْتُ رَجَاءَهُ مِنِّي جَعَلْتُ آمَالَ عِبَادِي عِنْدِي مَحْفُوظَةً فَلَمْ يَرْضَوْا بِحِفْظِي وَ مَلَأْتُ سَمَاوَاتِي مِمَّنْ لَا يَمَلُّ مِنْ تَسْبِيحِي وَ أَمَرْتُهُمْ أَنْ لَا يُغْلِقُوا الْأَبْوَابَ بَيْنِي وَ بَيْنَ عِبَادِي فَلَمْ يَثِقُوا بِقَوْلِي‏... (الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، 3/170)

قد أؤمّل نفسی و قوّتی، و أقول فی نفسی أنا أقدر علی کل ما ارید، من دون أن أتوکل علی الله، فهذا نوع من التکبر و الله سبحانه یکره التکبر کراهة شدیدة. فکلما رزقنا الله شیئا، فلنقل: هذا من فضل ربّی. مهما کان استعدادنا و قوتنا و مالنا و .... انما نقول: اللهم! لا شیئ من هذه منی، و کل ذلک من فضلک. و هذا یجعلنا لا نخاف أحدا غیر الله. و قلنا: الشیطان یستخدم آلتین لإضلال الناس، منهما الخوف. و لکن لا ینبغی ان نخاف الا الله عز و جل، لأنه هو الذی یجعل معیشتنا راحةً و هو الذی یجعلها ضنکا. و لا یجعل معیشة أحد ضنکا الا اذا اعرض عن ذکره. فقال الله عز و جل:

وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْکاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى‏. (طه، 124)

ایها الأعزاء! لیس المراد من المعیشة الضنک هو الفقر المالی و المادی فقط، فیمکن ان یکون لدی شخص أموال کثیرة و مع ذلک تکون معیشته ضنکا، لأن قلبه فقیر. آتی لکم بمثال:

بعض الأحیان نری شخصا لدیه أموال کثیرة، و نراه یحتذی حذاء الذهب، و لکن هذه الحذاء رقمه 38 مثلا و رقم قدمیه 44، فیتأذی شدیدا. و لکننا عندما نراه من البعید یحتذی حذاء الذهب، نقول: طوبی له، قد احتذی حذاء الذهب. فبعض الأحیان نری شخصا من البعید من دون أن نعرف الحقیقة، فنظنّه سعیدا ناجحا. و لکنه فی الحقیقة یتألم شدیدا. فلو کانت الدنیا لله سبحانه فهی فلاح و صلاح، و لکنها اذا کانت لغیره، فهذه لیست إلا ألما و أذی.

فالمعیشة لا تنحصر فی الأمور المادیة الظاهریة بل تعمّ الأمور المعنویة و الروحیة و النفسیة ایضا. علماء الطب یؤکدون علی هذا کثیرا. فالإعراض عن ذکر الله یستلزم المعیشة الضنک. و لنتنبه الی أن الشیطان یستخدم الخوف کآلة لیُضلنا عن سبیل الله، فیخیفنا فی مجال السیاسة و الاجتماع و العائلة و ....

و لنعرف أنّ الشیطان یعد و لا یفی. هل وفی بعهده مع فرعون؟ ، أو وفی لنمرود؟ أو أنجاهم؟ کلّا! هو لم یف بعهده مع أحد. القی البحر جنازة فرعون الی الشاطئ کی یعتبر الناس، و الذین کانوا معه لم یبق منهم أثر. فلنعتبر و لنعرف: ما هو أثر التوکل علی الله و ما هو خسارة التوکل علی غیره.

فلذا قال أهل البیت علیهم السلام: لَا يَسْتَغْنِي الْمُؤْمِنُ عَنْ خَصْلَةٍ وَ بِهِ الْحَاجَةُ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ تَوْفِيقٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ وَاعِظٍ مِنْ نَفْسِهِ وَ قَبُولٍ مِمَّنْ يَنْصَحُهُ. (البرقى، احمد بن محمد بن خالد، المحاسن، 2/604)

فجمیعنا نحتاج الی هذه الثلاثة. فنسأل الله التوفیق.

اللهم! بحق أهل البیت علیهم السلام و شأنهم عندک، اغفر لنا، اللهم! لا تمتنا الا ان تغفر لنا، اللهم! اجعلنا نعرف معارف أهل البیت علیهم السلام، اللهم! اجعلنا نحبّ و نتولّی أهل البیت علیهم السلام، اللهم! ردّ شرّ أعداء الاسلام الی انفسهم، اللهم! احفظ خادمی الاسلام من المراجع العظام و العلماء و الصلحاء و المؤمنین تحت ظلال رحمتک و رأفتک، اللهم! عجل فرج مولانا صاحب العصر و الزمان، و اجعلنا من اعوانه و انصاره.

اللهم صل علی محمد و آل محمد و عجل فرج آل محمد.