۱۳۹۸/۱/۱۵   7:0  زيارة:1585     ارشیو خطبات نماز جمعه


08 الرجب 1440ق، الموافق 15 مارس 2019م

 


الخطبة الاولی للجمعة 24  اسفند  1398ش، الموافق 8 رجب 1440ق، الموافق 15  مارس 2019م.

بسم الله الرحمن الرحیم.

قال الله تبارک و تعالی: وَ إِذا سَأَلَکَ عِبادي عَنِّي فَإِنِّي قَريبٌ أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ‏ فَلْيَسْتَجيبُوا لي‏ وَ لْيُؤْمِنُوا بي‏ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون. (البقرة، 186)

أرحبکم الإخوة و الأخوات أجمعین. و اسئل الله ان یبارک لنا یوم الجمعة هذا، و یمتّعنا من برکاته.

ارید ان اتکلم حول الدعاء بمناسبة شهر رجب لکی یتجدد العهد. تعرفون ان من وسائل ارتباط العباد بالله سبحانه هو الدعاء و المناجات. نزلت آیات عدیدة فی القرآن و وردت روایات کثیرة حول الدعاء و فروعها. و نظرا الی أهمیة هذا الموضوع قد تکلم الله سبحانه خطابا لنبیه صلی الله علیه و آله و سلم، فقال: وَ إِذا سَأَلَکَ عِبادي عَنِّي فَإِنِّي قَريبٌ أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ.

فالله المنان قریب عن عباده الی حدّ عبّر القرآن عن قربه بأنه اقرب الی عباده من حبل الورید، فقال تعالی: ُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَريدِ. (ق، 16)

فقال تعالی انا قریب من عبادی فکلما دعونی اجیب دعوتهم، اینما کانوا و فی أی حال کانوا. و لو کان لنا توفیق من الله سبحانه، فسوف نبیّن فی الاسابیع الآتیة موانع استجابة الدعاء لکی نعرف لماذا لا یستجاب ادعیتنا مع ان الله تعالی وعدنا استجابة الدعاء. قال تعالی انا اجیب دعوة عبادی فعلیهم ان یستجیبوا دعوتی، فقال: فَلْيَسْتَجيبُوا لي‏ وَ لْيُؤْمِنُوا بي‏ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون.

فالله تعالی یطلب منا العبادة و الدعاء. فاذا استجبنا دعوة الله سبحانه، نحصل علی الرشد و الهدایة، فقال تعالی: فَلْيَسْتَجيبُوا لي‏ وَ لْيُؤْمِنُوا بي‏ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون.

فالله تبارک و تعالی یرفع درجات عباده الذین یدعونه. الدعاء فی الحقیقة نوع من معرفة النفس و الاستیقاظ، و التفکر و الارتباط الباطنی بمبدأ جمیع الحسنات. لیس الدعاء مجرد ان نقول شیئا ینتشر کالریاح و لا اثر له. الدعاء نوع عبادة و خضوع و عبودیة. فمن یدعو و یناجی فمعلوم أنه یعتقد بأن الله عز و جل هو الذی هو مبدأ جمیع البرکات و الخیرات و القدرات. بالدعاء یرتبط الانسان بالله سبحانه و تعالی. للدعاء آثار تربویة کما أن لجمیع العبادات آثار تربویة. الدعاء یحوّل باطن الانسان و یُخرجه من الیأس الی الرجاء، الدعاء معتمد الانسان، الدعاء یجعل الانسان بعد ضعفه قویا. قال الامام الصادق علیه السلام:

إِنَّ عِنْدَ اللَّهِ- عَزَّ وَ جَلَّ- مَنْزِلَةً لَاتُنَالُ إِلَّا بِمَسْأَلَةٍ، وَ لَوْ أَنَّ عَبْداً سَدَّ فَاهُ وَ لَمْ يَسْأَلْ، لَمْ يُعْطَ شَيْئا. (کلينى، محمد بن يعقوب‏، الکافی، 4/298)

الیکسس کارل العالم النفسانی المعروف یقول: فقد الدعاء و المناجات فی ملة یساوی فشلها و زوالها.

فإن ملة من الملل اذا ترکت الدعاء و قطعت ارتباطها بمبدأ الوجود، یزول و یفنی، و المجتمع الذی انقطع عن الدعاء و المناجات، لا یبقی مأمونا. فالدعاء لها هذه المنزلة الرفیعة و الاثر الکبیر. و لکن هاهنا بحث مهم و هو معرفة الدعاء. ینبغی ان نعرف لماذا ندعو الله، و کیف ندعوه؟، من این ندعوا؟ کثیر من الناس یخالفون الدعاء و یصنعون لأنفسهم محامل. مثلا یقولون ان الدعاء یسلب عن الانسان قوة العزم و العمل. کثیر من الناس یظنون انه اذا قیل لهم ادعوا، فهذا معناه انه لا یلزم ان یسعی و یحاول عملیا للوصول الی الهدف، و هذه هی المشکلة. و جوابنا علی هذه الظنون هو انهم لم یفهموا معنی الدعاء، و لا یعرفونه. هؤلاء یظنون ان معنی الدعاء ان نترک المحاولات و نعطل العمل و نغفل عن الاسباب الطبیعیة و نجلس فی طرف من البیت او المسجد و نسئل الله ان یعطینا ما نرید. کلّا! الدعاء لیس هذا، و انما المراد منه شیء غیره، و هو ان نحاول بکل ما استطعنا للوصول الی حیاة افضل، و معرفة افضل، و عمل افضل و أی هدف آخر، ثم ندعو الله ان یعیننا علی الوصول الی ما نرید. فاذا عملنا هکذا، یتولد فینا روح الأمل و الرجاء للوصول الی الهدف. فالدعاء هو صرف ما لدینا من الوسائل و الاسباب و القدرات و الطاقات للوصول الی الهدف و مع کل هذا الاعتماد علی رحمة الله و عونه و نصرته.

لذا نستنتج من هذا ان الدعاء یفتح الطرق المغلقة و یوصلنا الی ما لم نکن نقدر علیه بدونه. الدعاء لیس سببا مقام الاسباب الطبیعیة، و انما هو لکی لا ییئس الانسان و لکی یفتح الانسان لنفسه الطریق. فمن جعل الدعاء مقام العمل و المحاولات و ظنّ انه لا یحتاج الی العمل بعد الدعاء، فهذا الدعاء لا یستجاب. فالکسلان مهما دعا صباحا و مساءا، لا یستجاب له الدعاء. قال الامام الصادق علیه السلام:

أَرْبَعَةٌ لَا تُسْتَجَابُ لَهُمْ دَعْوَةٌ رَجُلٌ جَالِسٌ فِي بَيْتِهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فَيُقَالُ لَهُ أَ لَمْ آمُرْکَ بِالطَّلَبِ. (کلينى، محمد بن يعقوب‏، الکافی، 2/511)

فلا یستجاب دعاء هکذا الناس الکسلان، الذین یترکون العمل و یدعون الله ان یعطیهم. لان شرط استجابة الدعاء هو السعی و العمل، فمن ترکه لا یستجاب له الدعاء.

وَ رَجُلٌ کَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَدَعَا عَلَيْهَا فَيُقَالُ لَهُ أَ لَمْ أَجْعَلْ أَمْرَهَا إِلَيْکَ. (نفس المصدر)

و لکن هذا لیس معناه ان للرجال ان یؤذوا نسائهم، بل ینبغی ان یراعوا احوالهنّ. لا یحق للرجال ان یهینوا نسائهم او العیاذ بالله یضربوهم، لا یحق لأحد من الرجال ان یظلموا نسائهم کما انه لیس للنساء ان تؤذوا ازواجهنّ او تظلموهم. فاذا قبل الرجل و المرأة النکاح، فعلیهما ان یراعیا جمیع الحقوق التی جعل الله لهما. الزوج و الزوجة هما عمودان اساسیان لبنایة الأسرة. فعلیهما ان یعیشا معا بالمحبة و الرحمة. فنستنتج من کلام الامام انه لو کانت لرجل إمرأة سیئة او کان لإمرأة زوج سیّئ، فلا یحق لهما ان یتنازعا فیما بینهم او یتضاربا او یتظالما... ثم یدعو کل واحد منهما علی الآخر، یقول الامام علیه السلام هذا الدعاء لا یستجاب. ایها الناس هذه اصول دیننا فاعلموا. فعلی الزوج و الزوجة ان یحاولا ان یعیشا معا، فلو لم یقدرا علی ان یعیشا بالمحبة و الرحمة تحت لواء الحقوق التی جعل لهما الله، فعلیهما ان یتفرقا من دون ان یظلم أحدهما الآخر.

(ثم قال الامام علیه االسلام) وَ رَجُلٌ کَانَ لَهُ مَالٌ فَأَفْسَدَهُ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فَيُقَالُ لَهُ أَ لَمْ آمُرْکَ بِالاقْتِصَادِ أَ لَمْ آمُرْکَ بِالْإِصْلَاحِ. (نفس المصدر)

مثلا رجل أعطی ماله خیرَ اصدقائه، من دون ان یکتب، أو یستشهد شاهدین، و صدیقه أفسد ماله، أو خان فی ماله، فلو دعا هذا الرجل ان یرجع الله سبحانه ماله فلا یستجاب له الدعاء و یقول الله أ لم نقل لک:

يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاکْتُبُوهُ وَ لْيَکْتُبْ بَيْنَکُمْ کاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَ لا يَأْبَ کاتِبٌ أَنْ يَکْتُبَ کَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَکْتُبْ وَ لْيُمْلِلِ الَّذي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَ لا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئا... وَ اسْتَشْهِدُوا شَهيدَيْنِ مِنْ رِجالِکُمْ فَإِنْ لَمْ يَکُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ... وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَکْتُبُوهُ صَغيراً أَوْ کَبيراً إِلى‏ أَجَلِهِ ذلِکُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنى‏ أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُديرُونَها بَيْنَکُمْ فَلَيْسَ عَلَيْکُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَکْتُبُوها وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ..‏. (البقرة، 282)

فمن عصی ربه فی اموره الاقتصادیة و اعطی أحدا ماله او ملکه او ارضه او بیته من دون یکتبها او یستشهد علیها شهیدین و و و ... و أُفسد ماله ثم دعا الله ان یعینه فیقول الله: الم نأمرکم ان تراعوا فی الأمور الاقتصادیة جمیع الحدود التی جعلناها لکم. فمن لم یراع هذه الحدود و تضرر ثم دعا ربه ان یرجع ماله الیه، فلا یستجاب له الدعاء.

ثُمَّ قَالَ وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ کانَ بَيْنَ ذلِکَ قَواماً وَ رَجُلٌ کَانَ لَهُ مَالٌ فَأَدَانَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَيُقَالُ لَهُ أَ لَمْ آمُرْکَ بِالشَّهَادَةِ. (نفس المصدر)

فمن راعی هذه الحدود فلا یتضرر، و لو وقع فی مشکلة و دعا الله ان یرفع مشکلته فهاهنا یستجاب دعائه.

الاشکال الثانی الذی قد یطرح من قبل بعض الناس الذین لا یفهمون حقیقة الدعاء و لم یعرفوا الله تعالی، فهم یقولون أ لیس الدعاء دخالة فی نظام الله، فإذا کان ما نطلبه بالدعاء بصالحنا لأعطانا من دون الدعاء ایضا و اذا لم یکن بصلاحنا فلا یعطینا الله و لو سألنا و دعوناه بکل تضرع و اصرار، فلماذا ندعوه و نقول اللهم اعطنا هذا او ذاک؟

نجبیب علی هذا السؤال بأن الدعاء لاطمئنان القلوب. الدعاء ینجی الانسان من الاضطراب، الدعاء یولد فی الانسان روح الفحولة، فإذا رأینا الی المجاهدین، و الفحول التاریخیة و اصحاب الکمال، نفهم ان اکثر امورهم کان مقرونا بالدعاء، و کانوا یعتقدون بالدعاء و کانوا یدعون الله لحل مشاکلهم، و کانوا یستعینون الله سبحانه فی جمیع امورهم. و لهذا نری ان النبی صلی الله علیه و آله و سلم:

الدُّعَاءُ سِلَاحُ الْمُؤْمِن‏. (کلينى، محمد بن يعقوب‏، الکافی، 4/301)

للدعاء آثار مختصة به علی حیاة الانسان. اول شیئ یحصل علیه الانسان بالدعاء، هو صفاء النظر. فأهل الدعاء اینما تولی فیری وجه الله، و یری کل شیئ قابلا للمحبة، و لا أهلا للحقد و البغض و الحسد و... فالدعاء سبب لصفاء النظر، الدعاء یؤدی الی الوقار و السکینة فی الکلام و العمل، الدعاء یُهدی للانسان الفرح الباطنی و الانبساط القلبی. سمعتم ان أمیر المؤمنین علیه السلام الذی تمام وجوده دعاء، کان وجهه دائما متبسما، وبعض الناس کانوا قد یستشکلون بأن علیا علیه السلام لا یناسب الخلافة، لأنه یتبسم دائما، و الخلیفة لا ینبغی ان یکون هکذا الشخص المتبسم بل ینبغی ان یکون شخصا عنیفا، لم یکن هذا التبسم الدائم الا للدعاء، لان الدعاء یولد الفرح و الانبساط و الاطمئنان فی القلب، و بالنتیجة یکون اهل الدعاء متبسما دائما لان قلبه مملو بالیقین و الاطمئنان من دون ای حقد و حسد و بغض و...

الدعاء یوجد فی الانسان الاستعداد، و کأنه یکشف عن خزائن مدفونة، و ینور باطن الانسان بنور الله عز و جل. الدعاء یحرک الانسان و یحثّه علی العمل و السعی. هو نوع من العبادة و التواضع تجاه الرب الجلیل.

قد یستشکل بعض و یقول: ألیس الدعاء معارضا للرضاء و التسلیم لأمر الله سبحانه؟

نجیب علی هذا الاشکال بقول من الامام الصادق علیه السلام، فقال الامام الصادق علیه السلام:

إِنَّ عِنْدَ اللَّهِ- عَزَّ وَ جَلَّ- مَنْزِلَةً لَاتُنَالُ إِلَّا بِمَسْأَلَةٍ، وَ لَوْ أَنَّ عَبْداً سَدَّ فَاهُ وَ لَمْ يَسْأَلْ، لَمْ يُعْطَ شَيْئا. (کلينى، محمد بن يعقوب‏، الکافی، 4/298)

قال عالم من العلماء الاعلام: عندما ندعو الله عز و جل نری انفسنا کأننا اتصلنا بقدرة لا نهایة لها، القدرة التی یوصل اجزاء الکون جمیعها فی ما بینهم. فالدعاء یتصل الانسان بقدرة الله اللامتناهیة. انظروا الیوم، العلماء النفسانی الجدد یقترحون نفس ما اقترح به الانبیاء علیهم السلام من آدم علیه السلام الی خاتم المرسلین محمد المصطفی صلی الله علیه و آله و سلم. الیوم نری، کلما اراد عالم نفسانی ان یعالج مریضا، یستعین بالمسائل الاخلاقیة و المعنویة و الاسلامیة، لانهم عرفوا ان الدعاء و المناجات و الصلاة و الاعتقاد بدین الهی، یرفع عن الانسان الخوف و الاضطراب و التشوش و... التی هی سبب اکثر مشاکلنا الروحیة و الجسدیة. الدعاء لا یسمح القلب ان ینزعج، الدعاء لا یسمح الانسان ان ییئس و... اقرأ لکم بعض الآیات حتی تعرفوا ما یقول القرآن فی هذا المجال، و کیف یحثّ الانسان علی العبودیة و الدعاء و الاستعانة با الله عز و جلّ و... نقرأ فی کل یوم فی صلواتنا:

إِيَّاکَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاکَ نَسْتَعينُ. اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقيمَ. صِراطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضَّالِّينَ. (الفاتحة، 5-7)

هذه دعاء، تعطی الانسان العفة و الرقی المعرفی. عندما کان ابراهیم علیه السلام و اسماعیل علیه السلام یرفعان قواعد الکعبة المشرفة دعوا الله، کما فی القرآن:

وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّکَ أَنْتَ السَّميعُ الْعَليمُ. (البقرة، 127)

و فی الآیات التالیة بعد هذه الآیة دعا ابراهیم علیه السلام ربه و سئله خمسا التی ینبغی ان نسئل الله:

رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَکَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَکَ وَ أَرِنا مَناسِکَنا وَ تُبْ عَلَيْنا إِنَّکَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيم‏. رَبَّنا وَ ابْعَثْ فيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِکَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ يُزَکِّيهِمْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزيزُ الْحَکيم‏. (البقرة، 128-129)

نستنتج من هذا انه لا یمکن ان یحیی أحد حیاة طیبة بدون الدعاء. و نری فی آیة أخری قال تعالی عن قول بعض أهل الدعاء أنهم یقولون:

رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّار. (البقرة، 201)

من تشرف بمکة، فلیتنبه، اذا ذهبتم لطواف الکعبة فانظروا الیها و ادعوا الله بهذا الدعاء«رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّار» فکأنه ینفخ روحا فی الانسان فیحس أن قلبه یطیر الی رضا ربه.

الدعاء یفتح الطریق للانسان فی المشاکل، و فی الاحوال الصعبة، قال الله تعالی:

وَ لَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْکافِرينَ. (البقرة، 250)

و قال تعالی فی آیة أخری:

رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْکافِرين‏. (البقرة، 286)

هذه هی المعارف الاسلامیة و الالهیة، التی ینبغی ان نعرفها و نعمل بها حتی نفوز فی هذه الدنیا و الآخرة.

ارجو الله ان یرزقنا طول العمر و توفیق الدعاء و المناجات حتی نستأنس به سبحانه أکثر فأکثر.

اللهم صل علی محمد و آل محمد و عجل فرج آل محمد.

الخطبة الثانیة للجمعة 24  اسفند  1398ش، الموافق 8 رجب 1440ق، الموافق 15  مارس 2019م.

عباد الله اوصیکم و نفسی بتقوی الله الذی هو أفضل رأس المال و خیر زاد. اتمنی ان نکون کلنا متقین و متدینین و أهل الدعاء و المناجات. و ارجو ان نؤدی وظائفنا الدینیة، و نجتنب المعاصی و نفعل الخیرات و جمیع ما طلب الله منا.

فی الاسبوع القادم عدة مناسبات، أولها مولد الامام الجواد علیه السلام، فأبارک لکم اجمعین بمناسبة مولد هذا المولود الشریف، بضعة ثامن الحجج علی بن موسی الرضا علیه السلام، جواد الائمة علیه الصلاة و السلام. و اعلموا ان الامام الرضا علیه السلام کان یحبّ الامام الجواد علیه السلام حبا شدیدا. و لهذا نری فی روایة:

قَالَ ابْنُ أَسْبَاطٍ وَ عَبَّادٌ أَبُو إِسْمَاعِيلَ أَنَا عِنْدَ الرِّضَا علیه السلام بِمِنًى إِذْ جِي‏ءَ بِأَبِي جَعْفَرٍ ع قُلْنَا هَذَا الْمَوْلُودُ الْمُبَارَکُ قَالَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْلُودُ الْمُبَارَکُ الَّذِي لَمْ يُولَدْ فِي الْإِسْلَامِ أَعْظَمُ بَرَکَةً مِنْهُ. (قطب الدين راوندى، سعيد بن هبة الله‏، الخرائج و الجرائح‏، 1/385)

المناسبة الثانیة هی الثالث عشر من رجب، الیوم الاول من ایام الاعتکاف. الثالث عشر من رجب الاصب مولد مولی الموحدین، أمیر المؤمنین، إمام المتقین علی ابن ابی طالب علیه الصلاة و السلام. فأبارک لکم اجمعین بهذه المناسبة العطرة. و ارجو الله ان یرزقنا توفیق ان نحیی حیاة شیعته و محبیه، و نموت بولایته علیه السلام.

المناسبة الأخیرة هی بحث الاعتقاف، و تعرفون أن الاعتکاف مسألة مهمة جدا. الاعتکاف من العبادات العظیمة و کل من وُفِّق لهذا فهو یکون ضیف الله سبحانه، و من محبیه و عباده الصالحین. إنّ للإعتکاف أهمیة کبیرة بین العبادات الدینیة، لانه قد ذکر مع الصلاة و الصوم، فهو قرین للصلاة و الصوم. و یمکن ان نستلهم من بعض الامور ان الاعتکاف افضل من الصلاة و الصوم.

یمکن ان یعتکف فی اربعة مواضع: المسجد الحرام، مسجد النبی صلی الله علیه و آله و سلم، مسجد الکوفة و مسجد الاقصی. و فی البلاد الأخری یجب ان یکون موضع الاعتکاف المسجد الجامع للمدینة، الذی هو مرکز توجه الناس، فلا یمکن ان یعتکف فی البیت او فی مواضع مخفیة. فیجب ان یعتکف فی المسجد الجامع الذی یتوجه الیه جمیع المتشرعون و المتدینون.

الاعتکاف فی اللغة بمعنی الاحتباس و الإقامة علی شیئ بالمکان، و فی اصطلاح الشرع علی ما بینه الامام الخمینی ره: هو اللبث فی المسجد للعبادة. و لا یلزم فی الاعتکاف ان ینوی المعتکف مع الاعتکاف العبادات الأخری و المستحب ان ینوی مع أصل الاعتکاف العبادات الأخری. فهو عبادة مستقلة و له أهمیة کبقیة العبادات المهمة کالصلاة و الصوم و الحج. فمن اعتکف یکون ضیفا لله سبحانه، فینزل علیه رحماته و برکاته. و لهذا یجب ان یعتکف فی موضع یستفید منه الآخرون. و بالاعتکاف یتطهر الانسان الی انه بعد ثلاة ایام الاعتکاف ینفر المعاصی، فهو لا یترک المعاصی فقط بل ینهی الآخرین ان یرتکبوها. و لهذا نقول ان رائحة الاعتکاف تصل الی غیر المعتکفین ایضا. و بالاعتکاف یتطهر الروح و هذا یؤدی الی الأمن الروحی و الاجتماعی. أمر الله تعالی ابراهیم و اسماعیل علیهما السلام بأن یکرما من یأتی الی بیته للطواف و الاعتکاف و الصلاة، فقال تعالی:

وَ عَهِدْنا إِلى‏ إِبْراهيمَ وَ إِسْماعيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفينَ وَ الْعاکِفينَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُود. (البقرة، 125)

اللهم اجعل عاقبتنا خیرا، اللهم عجل لویک الفرج و العافیة و النصر، اللهم انصر الاسلام و أهله و اخذل الکفر و النفاق و أهله. اللهم صل علی محمد و آل محمد و عجل فرج آل محمد.