۱۴۰۰/۶/۹   6:39  زيارة:2286     المقالات


استشهاد الامام زين العابدين (عليه السلام) الخامس والعشرون من شهر محرم الحرام

 


وبعد تقلّد الوليد أزمّة الملک بعد أبيه عبد الملک بن مروان، وقد وصفه المسعودي بأنّه کان جبّاراً عنيداً ظلوماً غشوماً (1)، حتّى طعن عمر بن عبد العزيز الأموي في حکومته، فقال فيه: إنّه ممن امتلأت الأرض به جوراً (2).
وفي عهد هذا الطاغية الجبّار استشهد العالم الإسلامي الکبير سعيد بن جبير على يد الحجّاج بن يوسف الثقفي أعتى عامل أموي.
وقد کان الوليد من أحقد الناس على الإمام زين العابدين (عليه السلام) لأنّه کان يرى أنّه لا يتمّ له الملک والسلطان مع وجود الإمام زين العابدين (عليه السلام).
فقد کان الإمام (عليه السلام) يتمتّع بشعبية کبيرة، حتّى تحدّث الناس بإعجاب وإکبار عن علمه وفقهه وعبادته، وعجّت الأندية بالتحدّث عن صبره وسائر ملکاته، واحتلّ مکاناً کبيراً في قلوب الناس وعواطفهم، فکان السعيد من يحظى برؤيته، ويتشرّف بمقابلته والاستماع إلى حديثه، وقد شقّ على الأمويين عامّة هذا الموقع المتميّز للإمام (عليه السلام) وأقضّ مضاجعهم، وکان من أعظم الحاقدين عليه الوليد بن عبد الملک (3) الذي کان يحلم بحکومة المسلمين وخلافة الرسول (صلَّى الله عليه وآله).
وروى الزهري: عن الوليد أنّه قال: لا راحة لي وعليّ بن الحسين موجود في دار الدنيا (4).

فأجمع رأيه على اغتيال الإمام زين العابدين (عليه السلام) حينما آل إليه الملک، فبعث سمّاً قاتلاً إلى عامله على يثرب، وأمره أن يدسّه للإمام (عليه السلام) (5) ونفّذ عامله ذلک، فسَمَتْ روح الإمام العظيمة إلى خالقها بعد أن أضاءت آفاق هذه الدنيا بعلومها وعباداتها وجهادها وتجرّدها من الهوى.

وقام الإمام أبو جعفر محمد الباقر (عليه السلام) بتجهيز جثمان أبيه، وبعد تشييع حافل لم تشهد يثرب نظيراً له; وجيء بجثمانه الطاهر إلى بقيع الفرقد، فحفروا قبراً بجوار قبر عمّه الزکيّ الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) سيّد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ـ وأنزل الإمام الباقر (عليه السلام) جثمان أبيه زين العابدين وسيّد الساجدين (عليه السلام) فواراه في مقرّه الأخير.

ولقد حضر الإمام زين العابدين عليه السلام واقعة کربلاء، وشاهد مصارع أبيه وإخوته وأعمامه، وقد أقعده المرض في تلک الاَيام عن القتال ليبقيه الله تعالى مناراً للإسلام بعد أبيه ويکمل مسيرة جده وأبيه، حتى لا تخلو الأرض من حجة.
وکان دور الإمام عليه السلام إکمال عملية التغيير التي سعى فيها أبيه الحسين عليه السلام، فلم يترک مناسبة دون أن يذکّر بالمصائب التي حلّت بأهل البيت، حملة الاِسلام المخلصين، ممّا أدّى إلى تحفيز وإلهاب الشعور بالاِثم الذي أحسّه المسلمون عقب مقتل الحسين - عليه السّلام-، لتقاعسهم عن نصرته، وموقفهم المتخاذل منه. فتوالت الثورات حتى زعزعت أرکان الحکم الاَموي، وأسقطته في نهاية المطاف.
فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مروج الذهب: 3 / 96.
(2) تأريخ الخلفاء: 223.
(3) هناک من المؤرّخين من يرى أنّ هشام بن عبد الملک هو الذي دسّ السمّ للإمام (عليه السلام)، راجع بحار الأنوار: 46/153، ويمکن الجمع بين الرأيين فيکون أحدهما آمراً والآخر منفّذاً للجريمة.
(4) راجع: حياة الإمام زين العابدين: 678.
(5) بحار الأنوار: 46 / 153 عن الفصول المهمة لابن الصباغ المالکي: 194.