۱۳۹۳/۱۲/۲۹   1:57  زيارة:2515     المقالات

بسم الله الرحمن الرحیم
القيادة في الإسلام

 


القيادة في الإسلام

(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِکَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنّ‏َ قَالَ إِنِّي جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين)1.
الرشد في المصطلح الإسلامي
قبل الدخول في بحث القيادة في الإسلام من المناسب أن نتعرّض لمفهوم الرشد ومن ثمّ لمفهوم الإمامة.
1- الرشد
لقد استعمل القرآن الکريم اصطلاح الرشد في حقّ الأطفال الذين يمتلکون ثروة ولکن لا قيّم لهم، فذکر أنّه لا بدّ من جعل قيّم ووليّ عليهم حتى يبلغوا الرشد بعد تجاوزهم سنّ‏َ البلوغ، فقال تعالى(وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّکَاحَ فَإِنْ انَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)2.
تعريف الرشد
"الرشد عبارة عن نوع من الکمال الروحي والمعنوي، بمعنى أن يکون للإنسان قدرة على الإدارة والمحافظة على طاقاته المادية والمعنوية، وحسن الاستفادة منها"، وهذا التعريف يشمل جميع أنواع الرشد الأخلاقي منه والاجتماعي، ولتوضيح هذه الفکرة نذکر المثاليين التاليين:
أإدارة الذاکرة، لقد أودع الله تعالى في الإنسان قوىً إدراکية، من فهم وإدراک وحفظ وذاکرة، والإنسان الرشيد هو الذي يمکنه الاستفادة الصحيحة منها، فينظر في الأمور أيّها مفيد بل وأيها أکثر فائدة، ثمّ يتخيّر الترتيب العلمي الصحيح لحفظها ووضعها في الذهن، ومن ثمّ يحافظ عليها، أما غير الرشيد فهو من يتعامل مع ذاکرته مثلا کمستودع لکل ما يقع في طريقه، فلا ينتفع من هذه العطايا الإلهية بشکل صحيح، فمن يقرأ کتاباً ما لا يمکنه أن يحتفظ بمحتويات هذا الکتاب من قراءةٍ واحدةٍ، بل عليه أن يقرأه مرّة ثانيةً على التوالي، ثم يفکّر في کلّ فکرةٍ وردت فيه، ويحلّلها ويحقّقها، وبعد الانتهاء عليه أن يلخّصها ويودعها ذاکرته، ثمّ يقرأ کتاباً اخر من نفس الموضوع حتى لا يمتلىَ ذهنُه بمواضيعَ متعددة بصورةٍ غير منظمة، فتختلط عليه الأفکار.
بالرشد في العبادة: إن العبادة الصحيحة هي التي تجذب الروح وتغذّيها، وليست الکثرة هي المقياس للعبادة، تماماً ککثرة الطعام ليس هو مقياس غذاء الجسم، وإنّما المقياس هو تلاۆم الروح مع العبادة، وتحقّقها عن رغبةٍ وشوقٍ، وأي إکثارٍ في العبادة من دون شوقٍ قد يۆدي إلى ردّات فعلٍ عکسيّة لا تُحمد عُقباها، وهکذا يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي عليه السلام: "يا علي، إنّ هذا الدينَ متين، فأوغل فيه برفقٍ، ولا تُبغِّض إلى نفسک عبادة ربّک"3، فلا بدّ من ممارسة العبادة بشکلٍ تميل معها النفس تدريجاً إلى العبادة، لا أن تتنّفر من العبادة، "فإنّ المُنبِت4 لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع"5.
فالممارسة الصحيحة للعبادة والاستفادة منها لها علاقة وثيقة بحسن إدارة الإنسان لنفسه، لأن القلب والمشاعر والأحاسيس وکل القوى الإدراکية بحاجة إلى إدارةٍ وقيادةٍ رشيدة وحکيمة.
2- الإمامة والقيادة
عندما يکون موضوع الرشد هو قيادة وإدارة الآخرين يطلق عليه (الهداية) أو (الإمامة)، ولعلّ أفضل لفظٍ يعبّر عن الإمامة هو القيادة، مع فارقٍ بين النبوّة والإمامة أيضاً، حيث إنّ النبوة هي إراءة وکشف الطريق، بينما تتعدى الإمامة ذلک لتتحمّل مسۆولية القيادة للأمّة، فيقوم بعض الأفراد بمهمّة تعبئة القوى الإنسانية وتنظيمها وتدفعها إلى العمل، وکثير من الأنبياء لاسيما العظام منهم جمعوا بين الميزتين، أي بين النبوة (کشف الطريق) والإمامة (القيادة).
إبراهيم عليه السلام القائد الإمام
لقد ابتلى اللهُ النبيّ‏َ إبراهيم عليه السلام بکثيرٍ من المصاعب والإمتحانات، فقد واجه بمفرده تلک الإنحرافات العقائدية والخرافات السائدة آنذاک، فحطّم الأصنام وواجه نمرودَ وأتباعَه قاطبةً، وفي خِضَمّ هذه المِحن القاسية يطلب منه الله سبحانه أن يذبحَ ابنه إسماعيل عليه السلام بيده، وعندما أسلما وانقادا لأمر الله سبحانه وتجاوز کلّ هذه المحن بنجاحٍ وإيمانٍ ثابت، عندها أُعطي مقام الإمامة،(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِکَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنّ‏َ قَالَ إِنِّي جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)6، فهذه الإمامة وقيادة البشر في البُعد الإجتماعي والمعنوي هي أرفع مقام يمکن أن يمنحه الله للإنسان، وقد حاز أئمتنا عليهم السلام على هذا المقام الرفيع وإن لم يکونوا أنبياء، إلا أنهم يسيرون على نفس طريقهم، ويعبئون القوى، ويدعون الناس إلى نفس الرسالة التي دعا إليها النبي الأکرم صلى الله عليه وآله وسلم.
أصول القيادة
والقيادة التي يبحث عنها القرآن الکريم هي الزعامة المتجهة نحو الله تعالى في بعديها الاجتماعي والمعنوي، بخلاف ما يفهمه البشر في العالم المعاصر من القيادة بأنّها مجرّد زعامة اجتماعية، لأنّه يحتاج إلى القيادة بطبيعته، وقيمة هذه القيادة تبتني على ثلاثة أصول:
1- أهميّة الإنسان والقوى المودعة فيه
فقد اهتم القران الکريم بتوجيه الإنسان إلى معرفة نفسه، وما أودع له الله من قوى کبيرةٍ کامنةٍ فيه، فهو أعرف من
الملائکة بالأسماء ممّا جعلها تسجد له، وهو أرفع الموجودات جميعاً، کلّها مسخرة لخدمة مصالح الإنسان (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَکُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)7، و(أَلَمْ تَرَوْا أَنّ‏َ اللَّهَ سَخَّرَ لَکُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْکُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)8.
2- قيادة الغرائز المودعة في الإنسان والحيوان
فالإنسان يختلف عن الحيوان من حيث الغرائز وطبيعتها، وهو أضعف منها في هذا المجال، فالحيوانات مجهزة بمجموعةٍ من الغرائز تُسيِّرها وتقودها وتنظِّم لها حياتها، فهي لا تتعدّاها، إلا أن الإنسان ليس کذلک، فهو من جهة يمتلک قوى أکبر وأکثر من الحيوانات، لکن لم يودع الله فيه غرائز کثيرةً جداً، وإنما ألقى على عاتقه قيادة نفسه، فالإنسان يفتقر إلى الغرائز الداخلية التي تقوده، ولذلک احتاج للموجِّه الخارجي، وهذه فلسفة بعثة الأنبياء عليهم السلام، فإنهم بعثوا لأجل تربية هذه الغرائز، وتعريف الإنسان على النفائس المکنونة في أعماقه، وکيف يستخدمها ويستفيد منها بالشکل الصحيح، ومن ثم توجيه الإنسان والقوى البشرية لتسير على الطريق المستقيم، ويحثونه على الحرکة والعمل، وبالتالي تتحقق القيادة الحکيمة للقوى البشرية.
3- القوانين الخاصة في الحياة البشرية
هناک مجموعة من القوانين والأصول الحاکمة على سلوک الإنسان وتصرفاته، والذي ينصّب نفسه قائداً وزعيماً للبشر عليه أن يتعرّف على هذه القوانين الحاکمة، لأنها مفتاح السيطرة على قلوب الناس، فيرسم لهم طريق العمل بها ويحثَّهم على الاستفادة منها بالشکل الصحيح، وتعبير القرآن الکريم بحقّ الرسول الأکرم صلى الله عليه وآله وسلم مثير للدهشة حيث يقول(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيّ‏َ الْأُمِّيّ‏َ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَکْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْکَرِ وَيُحِلّ‏ُ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي کَانَتْ عَلَيْهِمْ)9، فهذه الأثقال ليست إلا التقاليد والخرافات، وهذه الأغلال ليست إلا عادات روحيّة تکبّل استعداداته وطاقاته المعنوية الزاخرة التي أدّت به إلى الجمود والشقاء واليأس، ويأتي دور النبي بالقيادة من بُعدها الاجتماعي ليطلق سراح هذه القوى المقيَّدة، ويبثّ فيها النشاط والحيوية، ويأخذ بيدها في المسار الصحيح، فيجعل من أضعف الشعوب، بسبب القيادة الحکيمة، أمّة قويّة لا يفوقها قوّة.
الشهيد مرتضى مطهري
_________
1- البقرة،:124.
2- النساء:6.
3- الکافي، ج‏2، ص‏87.
4- المنسبت هو الذي يضرب الجمل ويخشن في التعامل معه، فلم يقدر على قطع المسافة المطلوبة وفي نفس الوقت قضى على الجمل من الضرب.
5- الکافي، ج‏2، ص‏87.
6- البقرة:124.
7- البقرة:29.
8- لقمان:20.
9- الأعراف:157.
 


انتهای پیام