۱۳۹۳/۱۲/۲۲   2:12  زيارة:1084     القرأن

بسم الله الرحمن الرحیم
قارئ أهل الجنة

 


 

 

 

قارئ أهل الجنة النبي داود (عليه السلام)

الحاکم الذي کان يقتات من عمل يده:

قال تعالى في کتابه العزيز: (( وَلَمّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْکَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْکَ وَالْحِکْمَةَ وَعَلّمَهُ مِمّا يَشَاءُ )) البقرة / 250ـ 251 .

تشير الآيتان الکريمتان إلى القوم من بين إسرائيل الذين جعل الله عليهم طالوت ملکا, ليقودهم ويقاتل بهم أعداءهم في فلسطين آنذاک وهم جالوت ومعه العمالقة. وبالفعل التقى الجمعان و رجا المخلصون نصر الله سبحانه ولکن ما ينبغي التوقف عنده هنا , ما أشار إليه القرآن الکريم بإيجاز:

(( وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ)) . إذ إن جالوت المتجبر دعا إلى البراز مستهزئا بکل جند طالوت , مستصغرا شأنهم , متعاليا عليهم ! وکما في کل موقف مماثل تبرز أمور ليست في الحساب والتوقعات , حيث يتأخر المتقدمون ليسبق المجهولون . . الذين لا يحسبون للمادة حسابها.

فداود (عليه السلام) لم يکن من بين الجند ـ فيما يروى ـ وليس له من الشهرة ما يجعل تقدمه على غيره مقبولا أو متوقعا , فلقد کان مجرد راع ابن راع يدعى آشي من سلالة لاوى بن يعقوب (عليه السلام) . ومع ذلک کان يرى الأمور بمنظار آخر, فيفکر بوجوب قتل جالوت لاستکباره دون أن يهتم أو يأبه بقوته وبطشه وبما يحتمي من حديد ودروع , وکان يرى السعي لذلک واجبا والتوکل إنما هو على الله سبحانه.

ويصر داود (عليه السلام) على البراز والاستعداد لقتل جالوت. . فيقبل طالوت أخيرا بعد أن رده مرات برفق ليفسح المجال للأبطال ولکن دون جدوى ويلبسه الدرع ـ درع موسى (عليه السلام) ـ التي کانت في تابوت السکينة کما في الروايات . واستوت الدرع على داود . . فيحمل مقلاعا وبضعة أحجار کريمة ويتحرک . . وما انکشفت الصورة إلا عن داود يقف على رأس جالوت بعد أن أرده وصرعه بحجر, ثم قتله بسيفه محققا بذلک النصر الحاسم.

وذاع صيت داود (عليه السلام): قاتل جالوت, وأضحى صهر الملک طالوت ووارثة وفقا للوعد الذي قطعه طالوت على نفسه . . وهکذا جعل النصر لبني إسرائيل على يدي داود (عليه السلام) في معرکة غير متوازنة , حيث کان أکثر القوم يخشى نتائجها :((. . . قَالُوا لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ . . .)) البقرة / 249.

داود النبي (عليه السلام):

وتهيأ الجو لداود (عليه السلام) فجعله الله نبيا بعد ما آتاه الملک: (( وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْکَ وَالْحِکْمَةَ (النبوة) وَعَلّمَهُ مِمّا يَشَاءُ. . .)) البقرة /251 .

ومع الملک والنبوة ورغم وجود التوراة عند بني إسرائيل آتاه الله الکتاب الثاني لهم, المۆکد والمصدق للکتاب الأول : (( وَآتَيْنَا دَاوُود زَبُوراً ))النساء/163

وقال تعالى : ((. . . وَلَقَدْ فَضّلْنَا بَعْضَ النّبِيّينَ عَلَى‏ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً )) الإسراء /55 . والزبور (هو الکتاب بمعنى المکتوب )(1).

وفي الروايات : (( . . . وأنزل عليه الزبور فيه توحيد وتمجيد ودعاء وأخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . . . ))(2).

شخصية داود (عليه السلام):

غالبا ما يتشابه الأنبياء (عليهم السلام) في کثير من الصفات , ومع ذلک يختص کل واحد بصفة تتعلق بشخصه الکريم أو بما جاء به من معجزة ومۆيد لرسالته ودعوته . قال تعالى عن داود (عليه السلام) : (( . . . وَاذْکُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنّهُ أَوّابٌ * إِنّا سَخّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبّحْنَ بِالْعَشِيّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطّيْرَ مَحْشُورَةً کُلّ لّهُ أَوّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْکَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِکْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ )) ص/17 ـ 20.

هذا هو داود الأواب (عليه السلام) . . لا يترک أمرا بعيدا عن الله سبحانه , يرجع في أموره کلها إلى ربه , بل يکاد يکون ذکره وکلامه ومشيه وعمله وحياته کلها متصلة بالله سبحانه , ولقد رزقه الله صوتا جميلا مميزا لدرجة تفاعلت معه کل المخلوقات الأخرى , فما شعر داود (عليه السلام) ومن معه إلا والجبال تردد تسبيحه , والملائکة تتلو معه , والطير کذلک صافات , والوحوش ذليلة منکسرة متأثرة بذاک الصوت الصادر من أعماق النفس البشرية الشفافة العرفانية , تلک النفس التي لا تسعد ولا تنشغل إلا بمناجاة الله وذکره سبحانه . بل ولقد أصبحت بعض المخلوقات تفهم لغته ويفهم لغتها , ولقد سمي بصاحب المزامير (وهي ما کان يتغنى به من الزبور) وبقارئ أهل الجنة .

وليس غريبا أن تُخرج تلک الحنجرة المبارکة ذاک النغم المقدس الممتزج بريح ذلک الصوّام , ـ صوّام الدهر ـ العبد الأواب, النبي البکاء داود (عليه السلام) ففي رواية عن أبي عبد الله (عليه السلام): (( . . . وأما داود فأنه بکى حتى هاج العشب من دموعه , وإن کان ليزفر الزفرة فيحرق ما نبت من دموعه ))(3).

وکان يسيح في الأرض وينتشر صوته في الفضاء الفسيح تنقله الريح التي أحبت ذلک الصوت وصاحبه, تنقله للآخرين من محبيه من الحيوانات التي عطف عليها وأحبها , بل يروي أنه قد عالج بعض مشاکلها وداواها بعد ما علمه الله منطقها , وآتاه القدرة على فهم لغتها: لغة التسبيح ولغة الحياة. ورغم انشغاله الدائم بتضرعه وبکائه وذکر ربه وتلاوة مزاميره, لم يکن ليهمل حاجات الناس من رعيته فهو راع وهو المسۆول عن رعيته. . لذا کان يفکر بوسائل تسهل لهم النصر على أعدائهم, وتخفف عنهم ثقل الحديد وجهد القتال ومشقة الجهاد.

وما کان ليظن أن الحديد أيضاً ـ رغم صلابته ـ سيتفاعل مع الجسد المبارک , کما تفاعلت الوحوش مع الصوت الحنون صادق اللهجة . . فإذا بالصلب لين, وهو عليه هين. قال تعالى: (( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنّا فَضْلاً يَاجِبَالُ أَوّبِي مَعَهُ وَالطّيْرَ وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيد * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدّرْ فِي السّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) سبأ / 10ـ 11 .

وقال سبحانه : ((. . . وَسَخّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبّحْنَ وَالطّيْرَ وَکُنّا فَاعِلِينَ * وَعَلّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَکُمْ لِتُحْصِنَکُم مِن بَأْسِکُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاکِرُونَ)) الأنبياء / 79ـ 80 .

فلقد کان شکل الدروع , وطريقة صنعها ترهقهم وتعيق تحرکهم في المعارک , فألان الله له الحديد ليسهل علية صنع السابغات (الدروع) :

(( وَعَلّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَکُمْ لِتُحْصِنَکُم مِن بَأْسِکُمْ)). . ونعم لبوس الحرب الدروع من صنع داود (عليه السلام) . . . وبالفعل انتشرت دروع داود (عليه السلام) وکثرت وساهمت في عملية انتصارهم في معارکهم بسبب خفتها وطريقة صنعها الجديدة آنذاک , وتلک نعمة أخرى على بني إسرائيل فهل هم شاکرون؟!

المصادر:

1ـ التفسير المبين/محمد جواد مغينة/ ط2 دار الجواد/ص 131.

2ـ بحار الأنور/ العلامة المجلسي / ج14 / ص3. (نسبة إلى تفسير ألقمي/ص476).

3ـ النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين/ نعمة الله الجزائري/ الأعلمي للمطبوعات / ط8 /ص390.


انتهای پیام