۱۳۹۳/۱۱/۷   12:56  زيارة:1188     الاخبار

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى جميع الشباب في أوروبا وأمريکا الشمالية

 


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الأحداث الأخيرة في فرنسا وما شابهها في بعض الدول الغربية أقنعتني أن أتحدّث إليکم مباشرة.
أتحدّث إليکم أيّها الأعزة دون أن اتجاهل دور والديکم، لأني أرى مستقبل شعبکم وأرضکم بأيديکم، وأرى أن الإحساس بضرورة معرفة الحقيقة في قلوبکم أکثر حيوية ووعياً. وکذلک فإني لا أخاطب الساسة والمسؤولين عندکم لأني أتصور أنهم بعلمٍ ودرايةٍ منهم فصلوا درب السياسة عن مسار الصدق والحقيقة.

حديثي معکم عن الإسلام وبصورةٍ خاصةٍ عن الصورة التي يعرضونها عن الإسلام لکم.
قبل عقدين وإلى يومنا هذا، اي بعد انهيار الإتحاد السوفيتي تقريباً جرت محاولات کثيرة لإعطاء هذا الدين العظيم موقع العداء المخيف. وللأسف إن عملية إثارة مشاعر الرعب والفزع والنفور واستغلالها لها ماضٍ طويلٍ في التاريخ السياسي للغرب.
لا أريد هنا أن أتعرض إلى ما يثيرون من أنواع الرعب في قلوب الشعوب الغربية وعند استعراضکم العابر للدراسات التاريخية والنقدية المعاصرة ستجدون کيف تؤنب الکتابات التاريخية الأعمال الکاذبة والمزيِّفة للدول الغربية تجاه سائر الشعوب والثقافات. إن تاريخ أوروبا وأمريکا يطأطئ رأسه خجلاً أمام سلوکه الإسترقاقي والإستعماري وظلمه تجاه الملوّنين وغير المسيحيين. ثم انّ المؤرخين والباحثين لديکم عندما يمرون على عمليات سفک الدماء باسم الدين بين البروتستان والکاثوليک أو باسم القومية والوطنية إبان الحربين العالميين الأولى والثانية يشعرون بالمرارة والإنحطاط.
وهذا بحد ذاته يدعو الى التقدير؛ ولست استهدف من خلال استعادة قسم من هذه القائمة الطويلة جَلد التاريخ ولکني أريد منکم أن تسألوا کل مثقفيکم ونخبکم لماذا لا يستقيظ الوجدان العام في الغرب دائما إلا مع تأخير عشرات السنين وربما المئات من السنين؟ ولماذا کانت عملية النظر في الوجدان العام تتّجه نحو الماضي البعيد وتهمل الأحداث المعاصرة؟

لماذا نجدهم في موضوع مهم من قبيل أسلوب التعاطي مع الثقافة والفکر الإسلامي يمنعون من تکوّن وعي عام لديکم؟

أنتم تعلمون جيداً أن التحقير و إيجاد حالة النفور والرهاب الموهوم من الآخرين تشکل أرضية مشترکة لکل تلک الإستغلالات الظالمة. أريد الآن أن تسألوا أنفسکم لماذا استهدفت سياسة نشر الرعب والنفور القديمة الإسلام والمسلمين بقوة وبشکل لا سابقة لها؟ لماذا يتّجه نظام القوة والسلطة في عالمنا اليوم نحو تهميش الفکر الإسلامي وجرّه الى حالة الإنفعال؟
هل هناک مفاهيم وقيم في الإسلام تزاحم برامج ومشاريع القوى الکبرى وما هي المنافع التي تتوخاها هذه القوى من وراء طرح صورة مشوّهة وخاطئة عن الإسلام. ولهذا فإن طلبي الأوّل منکم أن تتساءلوا وتتحروا عن عوامل هذا التعتيم الواسع ضد الإسلام.

الأمر الثاني الذي أطلبه منکم أن تقوموا کردِّ فعلٍ لسيل الإتهامات والتصورات المسبقة والإعلام السلبي وأن تسعوا لتکوين معرفة مباشرة ودونما واسطة عن هذا الدين. إن المنطق السليم يقتضي أن تدرکوا حقيقة الأمور التي يسعون لإبعادکم عنها وتخويفکم منها فما هي وما هي أبعادها وحقيقتها؟
أنا لا أصرّ عليکم أن تقبلوا رؤيتي أو أية رؤية أخرى عن الإسلام، لکني أدعوکم ألّا تسمحوا أن يستفيد هؤلاء من الإدعاءات المرائية للإرهابيين العملاء لهم وتقديمهم لکم بإعتبارهم مندوبي الإسلام. عليکم أن تعرفوا الإسلام من مصادره الأصيلة ومنابعه الأولى. تعرّفوا على الإسلام عبر القرآن الکريم وسيرة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وأودّ هنا أن أتساءل: هل راجعتم قرآن المسلمين مباشرة؟ هل طالعتم أقوال رسول الإسلام(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتعاليمه الإنسانية والأخلاقية؟ هل اطلعتم على رسالة الإسلام من مصدر آخر غير الإعلام؟ هل سألتم أنفسکم کيف استطاع الإسلام ووفق أية قيم طوال قرون متمادية أن يقيم أکبر حضارة علمية وفکرية في العالم وأن يربي أفضل العلماء والمفکرين؟

أطالبکم ألّا تسمحوا لهم بوضع سدّ عاطفي واحساسي منيع بينکم و بين الواقع عبر رسم صورة سخيفة کاذبة عن الإسلام ليسلبوا منکم إمکانية الحکم الموضوعي. واليوم حيث نرى أن أجهزة التواصل اخترقت الحدود الجغرافية، عليکم ألّا تسمحوا لهم أن يحاصروکم في الحدود الذهنية المصطنعة، وإن کان من غير الممکن لأي أحد أن يملأ الفراغات المستحدثة بشکل فردي ولکن کلاً منکم يستطيع هادئاً لتوعية نفسه وبيئته أن يقيم جسراً من الفکر والإنصاف على هذه الفراغات.
إن هذا التحدي المبرمج من قبل لنوع العلاقة بين الإسلام وبينکم أنتم الشباب أمر مؤلم، لکن بإمکانه أن يثير تساؤلات جديدة في ذهنکم الوقاد والباحث.

إن سعيکم لمعرفة الأجوبة على هذه التساؤلات يشکل فرصة سانحة لکشف الحقائق الجديدة أمامکم، وعليه يجب أن لا تفوتوا هذه الفرصة للوصول الى الفهم الصحيح ودرک الواقع دون حکم مسبق؛ ولعلّه من آثار تحملّکم هذه المسؤولية تجاه الواقع، أن تقوم الأجيال الآتية بتقييم هذه الفترة من تاريخ التعامل الغربي مع الإسلام، بألمٍ أقل زخماً ووجدانٍ أکثر اطمئناناً.

السيد على الخامنئي
2015/01/21

انتهای پیام