۱۳۹۳/۸/۹   1:59  زيارة:984     الاخبار

بسم الله الرحمن الرحیم
المسيح.. في کربلاء

 


 
 المسيح.. في کربلاء

وفي هذا السياق.. نوجّه الأنظار والأذهان إلى شيءٍ ممّا اعتقده إنسان غير مسلم وصرّح به، وکتبه ببراعٍ صادق مۆمنٍ بالحقائق التي توصّل إليها بقلبه وضميره. ذلک هو الکاتب « أنطون بارا » في مۆلَّفه: « الحسين في الفکر المسيحيّ ». فدَعُونا ـ أيّها الإخوة ـ نعيش مع هذا الکتاب بعض فقراته التي ترى الإمام الحسين عليه السّلام فوق الاعتبارات الضيّقة، وفوق نطاق الجغرافية.. نراه حاضراً في الضمير الإنسانيّ الحيّ والوجدان المتيقّظ.. وفي کلّ رسالات الأديان النزيهة.
يدخل أنطون بارا في أجواء کربلاء وأيّام عاشوراء، فيستوحي المعاني من أعماق التاريخ، ويتأمّل في مشاهد عديدةٍ من قصّة الشهادة العظمى التي تَجلَّت في مواقف الإمام الحسين عليه السّلام في أبعادٍ لا يمکن تصوّرها. ثمّ يبقى هذا الکاتب المسيحيّ معجبَاً وهو يحلّل الوقائع حتّى ينغمر في أجواء الطفّ وکأنّه مسلمٌ واعٍ ينتصر لسيّد الشهداء ويتنفّر من أعدائه وقتلته، ثمّ يعود إلى التاريخ فيسطّر عنواناً نصُّه« المسيح.. هل تنبّأ بالحسين ؟ »، ليکتب هذه الفقرات:
أيُّها القاتلون ـ جهلاً ـ حسيناً               أبشِـروا بالعـذابِ والتنکيـلِ
قد لُعِنتُم على لسـان ابـن دا                 ودَ وموسى وصاحبِ الإنجيلِ
لقد لعنَ المسيحُ قاتلي الحسين وأمر بني إسرائيل بلعنهم، قائلاً:« مَن أدرک أيّامَه فليُقاتِلْ معه، فإنّه ( أي المقاتل مع الحسين ) کالشهيد مع الأنبياء مُقْبلاً غير مُدْبِر، وکأنّي أنظر إلى بقعته، وما مِن نبيٍّ إلاّ وزارها وقال: إنّکِ لَبقعةٌ کثيرة الخير، فيکِ يُدفَن القمرُ الزاهر » (1).
في هذا النصّ ( والحديث ما زال للکاتب أنطون بارا ) ثلاثُ نقاطٍ ذات دِلالةٍ وأهميّة:
1 ـ لعنُ المسيح لقاتلي الحسين، وأمرُه لبني إسرائيل بلعنهم.
2 ـ الحثّ على المقاتلة مع الحسين، بإيضاح أنّ الشهادة في هذا القتال کالقتال مع الأنبياء.
3 ـ التأکيد على زيارة کلّ الأنبياء لبقعة کربلاء، بالجزم التامّ على أنّ « ما مِن نبيّ إلاّ وزارها ».
وتذکر بعض المصادر التاريخيّة(2) أنّعيسى ابن مريم عليهما السّلام مرّ بأرض کربلاء، وتوقّف فوق مطارح الطفّ، ولعن قاتلي الحسين ومُهْدِري دمه الطاهر فوق هذا الثرى(3).
• من الخصائص الحسينية المتألّقة
ونظرة واحدة إلى الملايين المۆمنة من البشر، التي تۆمّ قبر الحسين ومزارات آل البيت في کلّ مکان، لَکافيةٌ کي تدعم الرأي بتعاظم قوّة العقيدة وتمکّنها من النفوس، ورغبةِ المۆمنين في أن يظلَّ لقتل الحسين حرارةٌ متأجّجة لا تبرد في قلوبهم أبداً.. طالما هم مۆمنون، وصراطهم مستقيم.
فکيف سيکون ما کان، لولا الذي کان من استشهاد سيّد شباب أهل الجنّة، وإزهاق الباطل الذي عبّر عنه القرآنُ الکريم بقوله: إنَّ الباطِلَ کانَ زَهُوقاً ؟
وکيف کان وسيکون، مِن خَلْق هذا الشهيد لولا اختيار العناية الإلهيّة له، ولولا تعهّدُ جَدّه النبيّ الأکرم بتنشئته تنشئةً نبويّة ؟ فارتقت إنسانيّته إلى حيث نبوّة الجَدّ « أنا مِن حسين »، ( واصطفّت ) نبوّة الجدّ إلى حيث إنسانيّته « حسينٌ منّي ». ولا عجب في ذلک... فالحسين ـ في هذا ـ وَرِث خصائصَ جدّه من حيث الغَيرة على الدِّين، والاستعداد لبذل ما هو غالٍ في سبيله.
وقولة الرسول« حسينٌ منّي وأنا مِن حسين »، و « اللهمّ أحِبَّه؛ فإنّي أُحبّه » فيهما شهادةٌ وتکليف:
شهادة: بأنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) قد عَهِد براية الإسلام الذي أُنزِل عليه إلى سِبطه الحسين الذي هو بضعةٌ منه.
وتکليف: للابن الذي أحبّه الرسول وطلب من ربّه أن يُحبّه، بالاستشهاد صَوناً للعقيدة، ودفاعاً عن روح الدين من العبث والاستهتار اللَّذينِ کادا يۆدّيانِ إلى اضمحلاله، فکانت هذه الشهادة وهذا التکليف هما العنوانَ الضخم والرمز الخالد لنهضة الابن في سبيل عقيدة الجدّ، حتّى استحقّ ـ عن جدارة ـ مغزى قولة: الإسلام.. بَدۆُه محمّديّ، وبقاۆه حسينيّ ».
فالحسين.. البضعة الرسوليّة، قام بمهمّةٍ لا تقلّ خطراً عن مهمّة جَدّه، فأبقى الإسلامَ کما بشّر به جدُّه الکريم، وأودع في صدور المسلمين وديعةً ثمينةً تنبّههم بوجوب الحفاظ عليها، کأندرِ وأغلى ما يملکون(4).
• صورة النبيّ صلّى الله عليه وآله
لقد جاء في أخبار الحسين عليه السّلام أنّه کان صورةً تشکّلت من صورة جدّه النبيّ صلّى الله عليه وآله، له شَبَهُه في الخُلُق والخِلقة.. تطلّع إليه الجدّ فرأى في مَخايِله سيماءَ مستقبل الأمّة وسۆددها، وحاملَ لوائها مِن بعده.
السبط النبويّ ـ تطلّع إلى جَدّه.. فرأى فيه معنى الدِّين ومعنى العقيدة، واستشفّ من الأذان الذي کبّره ( جَدُّه ) في سريرته ـ ولمّا يَزَل ( الحسين ) رضيعاً ـ رۆى المستقبل الآتي.
سيّد الشهداء ـ سما في شهادته فوق سمّو کلّ الشهادات التي أُوتيها أرباب الديانات وشهداۆها.. منذ زکريّا ويحيى حتّى المسيح، فکان ( الحسين ) إمامَ حقّ، وسيّدَ شهداءِ الحقّ.
سيّد شباب أهل الجنّة ـ أتمَّ حجّةَ الله في خَلْقه وفي دِينهِ الحنيف، وأبرزَ مظلوميّةَ آل محمّد، وأعاد دين النبيّ ـ الذي بشّر به إلى صراطه المستقيم ـ فأفنى ذاته وأهله في هذا السبيل، رَخّص نفسه الغالية فأغلى له اللهُ تعالى نفسَه على أنفُسِ ساکني جنّة خُلده، فصار سيّدَهم بما عَمِل وضحّى، وصار أحبَّ أهل الأرض إلى أهل السماء(5).
شمعة الإسلام ـ أضاءت لملايين المسلمين دربَ خلاصهم، وعرّفت لهم موطئ أقدامهم، وجنّبتْهمُ الزللَ في حُفَر الضلالة والسقوطَ في فِخاخ الخطيئة والتهاون، وأبانت لبصائرهم ـ بسطوعها المتجلّي أبداً ـ مسالکَ الحقّ، وطردت عنها معالمَ الوحشة لقلّة سالکيها، فعَبَرها المۆمنون آمنينَ مستنيرين بأنوار الشمعة التي أضاءت ـ باحتراقها فوق ثرى کربلاء ـ ولم تَزَل تُضيء.. حتّى يقضيَ اللهُ أمراً کان مفعولاً.
دِرع الإسلام ـ ذبَّ عن الإسلام الأذى المتمثّلَ بوهن العقيدة وانحلال روحانيّة الدِّين، بعد أن غدت العقيدة ( في قلوب الناس ) ضَعفاً لا يتّصل بقوّة، بعد أن کانت قوّةً لا تتّصل بضَعف، فأغار ( الحسين عليه السّلام ) على مواطن الوهن والإثم، بالقول والفعل، وتلّقى ( عليه السّلام ) ـ بصبرٍ نادرٍ عجيبٍ ـ کلَّ ما شَهَره في وجهه: حَفَدةُ الشيطان، مستحلّو حُرَم الله وناکثو عهوده، ومخالفو سُنّة رسوله، العاملون في عباد الله بالإثم والعدوان.. فکان ( عليه السّلام ) ـ بتصدّيه للأذى اللاّحق بالعقيدة ـ دِرعَ الإسلام بحقّ. فلولاه، لَما کان الإسلام إلى ما صار إليه: عقيدةً ثابتة تترع في وجدان المسلمين وضمائرهم، بعد أن کاد يتحوّل إلى مذهبٍ باهتٍ يُرکَن في ظاهر الرۆوس التي أدارتها نحو المذهبيّة الساذجة الحمقاء ممارساتُ القائمين على أمور المسلمين من حکّامٍ وأذنابِ سلطةٍ ومَدّاحي دواوين!
ضمير الأديان إلى أبد الدهور ـ.. باستشهاده ( عليه السّلام )، الذي لم يسجّل التاريخ مثيلاً له، تکرّست ثورته کضمير للأديان السماويّة، يستصرخ أبداً مناطقَ الشعور في الأنفس، وينبّه بتواترٍ لا يَهدأ مَثاوي العقيدة في الحَنايا، فکأنّه من الدين المعنى الدينيّ، ( رتّله ) في المهج على مقدار ما فيه من معناه.
حسيننا ضمير الأديان، والضمير محبّةٌ وتحابٌّ وغَيرة، في تلافيفه حنوُّ المستقبل ونَصَعانه، ومن آياته المُعبِّرة في صيغةٍ تعبيريّة عن حقيقتها: يا أيُّها الذينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنکُم عن دِينهِ فسوفَ يأتي اللهُ بقومٍ يُحبُّهم ويُحبّونَه، أذلّةٍ على المۆمنين، أعزّةٍ على الکافرين، يُجاهِدونَ في سَبيلِ اللهِ لا يَخافونَ لَومَةَ لائم، ذلک فضلُ اللهِ يُۆتيهِ مَن يشاء، واللهُ واسعٌ عليم (6)...
خير الأمم أمّةٌ هُدِيَت إلى الحقّ فهَدَتْ به، فالحقُّ يَجعل من الأمّة خيرَ الأمم، ومن المۆمنين خيرَ البشر وممّن خَلَقْنا أُمّةٌ يَهدون بالحقِّ وبهِ يَعْدِلون (7).
مقياس الأمم قبول الحقّ والعمل به، ومقياس المقاييس خير المۆمنين فئةٌ هدَتْ إلى الحقّ وعدلَتْ به، ونَهَتْ عن نقيضه.
فمَن مِن المۆمنين فعَلَ هذا ؟
مَن الذي أعلن على رۆوس الملأ قوله هذا:
« إنّما خَرَجتُ لطلبِ الإصلاح في أمّةِ جَدّي.. أُريد أن آمرَ بالمعروفِ وأنهى عن المنکرِ. فمَن قَبِلَني بقبولِ الحقّ فاللهُ أولى بالحقّ، ومَن رَدَّ علَيّ هذا أصبِرُ حتّى يقضيَ اللهُ بيني وبين القوم بالحقّ، واللهُ خير الحاکمين » ؟
إنّه الحسين سيّد الشهداء في ميادين الحقّ، والذي کانت نهضته تمثيلاً عمليّاً لضمير الأديان على مرّ الدهور.
ولئن اعتُديَ على الحقّ الإلهيّ في غفلةٍ من الزمن، وفي حَلْکة الظلام، فلهذا الحقّ في ضمير الکون شاهد. وکان الحسين عليه السّلام ضميرَ الأديان في عمر الدهور، هو الشاهد الأوحد على محاولة إزهاق الحقّ في ضمير الکون.
ويأبى اللهُ إلاّ أن يُتمّ نوره.. وتأبى حکمته إلاّ أن تبلغ مَداها في فضاء العزّة والجلالة، لتغمرَ آفاقَ البشريّة بالقدسيّة والعدل والنُّبْل.
لهذا المقصد الإلهيّ.. کان الحسين قبسَ هداية، ومِشکاةَ طُهْر، ونموذج أخلاقٍ فاضلة، فکان حقّاً ضميرَ الأديان إلى يوم القيامة(8).
فسلامٌ عليک يا شهيد الحقّ،ويا سفينة النجاة ومصباح الهدى،وسلام عليک يا منار الدين، وفخرَ الموالين والمحبّين.
( من کتاب: الحسين في الفکر المسيحي ـ تأليف انطون بارا)
الهوامش
1 ـ کامل الزيارات لابن قولويه 67.
2 ـ ومنها: کمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ص 295.
3 ـ ص 295 ، 296.
4 ـ ص 310 ـ 311.
5 ـ ص 346 ـ 347.
6 ـ سورة المائدة:54.
7 ـ الأعراف:181.
8 ـ ص 346 ـ 353.
 

انتهای پیام