۱۳۹۲/۱۰/۱۳   13:55  زيارة:1534     السیرة


مختصرٌ من حياة الإمام عليِّ بنِ موسى الرِّضا (عليه السّلام)

 


مختصرٌ من حياة الإمام عليِّ بنِ موسى الرِّضا (عليه السّلام)
 1 ـ مولده
 وُلد الإمام عليُّ بنُ موسى الرِّضا (عليه السّلام) في الحادي عشر من شهر ذي القعدة ، يوم الخميس أو يوم الجمعة ، بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومئة ، بعد وفاة جدّه الصّادق (عليه السّلام) بأيّام قليلة ، وکان الإمامُ الصّادق (عليه السّلام) يتمنّى إدراکه .
فقد روي عن الإمام الکاظم (عليه السّلام) أنّه قال : (( سمعتُ أبي جعفرَ بنَ محمّد (عليهما السّلام) غير مرّة يقول لي : إنّ عالمَ آلِ محمّدٍ (عليه السّلام) لَفِي صُلبِکَ ، وليتني أدرکتُهُ ؛ فإنَّهُ سميُّ أميرِ المؤمنين (عليه السّلام) ))(1) .
أمّا أبوه فهو الإمام موسى بن جعفر (عليه السّلام) ، وأمّا اُمّه فهي اُمُّ ولد يُقال لها : اُمّ البنين ، واسمها نجمة ، ويُقال : تکتم . اشترتها حميدة المُصفّاة اُمُّ الإمام موسى (عليه السّلام) ، وکانت من أفضل النِّساء في عقلها ودينها ، وإعظامها لمولاتها .
وروي أنّ حميدة رأت في المنام رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله) يقول لها : (( يا حميدة ، هبي نجمةً لابنکِ موسى ؛ فإنّهُ سيُولد له منها خيرُ أهلِ الأرضِ )) . فوهبتها له ، فلمّا ولدت له الرِّضا (عليه السّلام) سمّاها الطَّاهرة .
وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن نجمة اُمِّ الإمام الرِّضا (عليه السّلام) تقول : لمّا حملتُ بابني عليٍّ لم أشعر بثقل الحمل ، وکنتُ أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني ، فيفزعني ذلک ويهولني ، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً , فلمّا وضعتُهُ وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض ، رافعاً رأسه إلى السماء , يُحرّک شفتيه کأنّه يتکلّم ، فدخل إليّ أبوه موسى بن جعفر (عليه السّلام) فقال لي :(( هنيئاً لکِ يا نجمة کرامة ربِّک )) .
فناولته إيّاه في خرقة بيضاء ، فأذّن في اُذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ودعا بماء الفراتِ فحنّکه به ، ثم ردّه إليَّ وقال : (( خُذيه ؛ فإنَّهُ بقيّةُ اللهِ في أرضِهِ ))(2) .
وروي عن البزنطي قال : قلتُ لأبي جعفر (عليه السّلام) : إنَّ قوماً من مخالفيکم يزعمون أنّ أباک (عليه السّلام) إنّما سمّاه المأمونُ الرِّضا ؛ لما رضيه لولاية عهده .
فقال (عليه السّلام) : (( کذبُوا والله وفجروا ، بل اللهُ تبارک وتعالى سمّاه الرِّضا ؛ لأنّه کان رضيَّ الله عزّ وجل في سمائه ، ورضيَّاً لرسوله والأئمَّة من بعده (عليهم السّلام) في أرضه )) .
قال : فقلتُ له : ألم يکُنْ کلُّ واحدٍ من آبائک الماضين (عليهم السّلام) رضيَّ الله عزّ وجل ، ولرسوله والأئمَّة من بعده (عليهم السّلام) ؟
فقال : (( بلى )) .
فقلتُ : فلِمَ سُمِّي أبوک (عليه السّلام) من بينهم الرِّضا ؟
قال : (( لأنَّه رضيَ به المُخالفونَ من أعدائِهِ کما رضي به الموافقونَ من أوليائه ، ولم يکن ذلک لأحدٍ من آبائه (عليهم السّلام) ؛ فلذلک سُمِّي من بينهم الرِّضا (عليه السّلام ) ))(3) .
 
 2 ـ فضائلُهُ ومناقبُهُ ومعاجزُهُ (عليه السّلام)
فضائل ومناقب ومعاجز الأئمَّة (عليهم السّلام) خرجت عن حدِّ العدِّ والإحصاء ، بل قد يکون حصرُها مستحيلاً ؛ لکثرتها وعدم الإحاطة بها ، ومن هؤلاء الأئمَّة (عليهم السّلام) الإمام أبو الحسن الرِّضا (عليه السّلام) ؛ فقد حوى من المناقب والفضائل ما أبهرت عقول البشر ، إضافة إلى ما وهبه الله من عِلمٍ دانت له الفرق والملل .
فقد روي عن أبي الصّلت الهروي أنّه قال : ما رأيتُ أعلم من عليِّ بن موسى الرِّضا (عليه السّلام) ، ولا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي ، ولقد جمع المأمون في مجالس له ـ ذوات عدد ـ علماء الأديان وفقهاء الشَّريعة والمُتکلِّمين ، فغلبهم عن آخرهم حتَّى ما بقي أحدٌ منهم إلاّ أقرّ له بالفضل ، وأقرّ على نفسه بالقصور ، ولقد سمعت عليَّ بن موسى الرِّضا (عليه السّلام) يقول : (( کُنتُ أجلس في الرَّوضة ، والعُلماءُ بالمدينة متوافرون ، فإذا أعيا الواحدُ منهُمْ عنْ مسألةٍ أشاروا إليَّ بأجمعِهمْ ، وبعثوا إليَّ بالرَّسائل فاُجيب عنها )) .
وکان (عليه السّلام) إذا خلا جمع حشمه کلَّهم عنده ، الصغير والکبير ، فيُحدِّثهم ويأنس بهم ويؤنسهم ، وکان (عليه السّلام) إذا جلس على المائدة لا يدع صغيراً ولا کبيراً حتَّى السَّائس والحجّام إلاّ أقعده معه على مائدته(4) .
ومن معاجزه (عليه السّلام) ما روي عن الريّان بن الصّلت أنّه قال : لمّا أردت الخروج إلى العراق عزمت على توديع الرِّضا (عليه السّلام) ، فقلتُ في نفسي : إذا ودّعته سألتُه قميصاً من ثياب جسده لاُکفَّن به ، ودراهم من ماله أصوغ بها لبناتي خواتيم ، فلمّا ودّعته شغلني البکاء والأسى على فراقه عن مسألتي تلک ، فلمّا خرجت من بين يديه صاح بي : (( يا ريّان ، ارجع )) .
فرجعت ، فقال لي : (( أما تُحبُّ أنْ أدفعَ إليک قميصاً من ثياب جسدي تُکفَّن فيه إذا فنى أجلک ؟ أوَ ما تُحبُّ أنْ أدفعَ إليک دراهمَ تصوغُ بها لبناتک خواتيم ؟ )) .
فقلتُ : يا سيدي ، قد کان في نفسي أنْ أسألک ذلک فمنعني الغمّ بفراقک .
فرفع (عليه السّلام) الوسادة وأخرج قميصاً فدفعه إليّ ، ورفع جانب المُصلّى فأخرج دراهم فدفعها إليَّ ، فعددتها فکانت ثلاثين درهماً(5) .
ومنه أيضاً ما رواه ابن شهر آشوب عن سُليمان الجعفري أنّه قال : کنتُ مع الرِّضا (عليه السّلام) في حائطٍ له وأنا معه ، إذ جاء عصفور فوقع بين يديه , وأخذ يصيح ويُکثر الصِّياح ويضطرب ، فقال لي : (( يا سُليمان ، تدري ما يقولُ العصفورُ ؟ )) .
قلت : لا .
قال : (( إنّه يقول : إنّ حيّةً تأکلُ أفراخي في البيت . فقم فخذ النبعة في يديک ـ يعني العصا ـ وادخل البيت واقتُل الحيَّة )) . فأخذت النَّبعة ودخلتُ البيت ، فإذا حيَّةٌ تجول في البيت فقتلتُها(6) .
 
 3 ـ شهادتُهُ (عليه السّلام)
لمّا استتب الأمر للمأمون أخذ الجلاوزة والوشاة يُهوّلون عليه خطر الإمام الرِّضا (عليه السّلام) وهو في المدينة ، ولم يکُنْ الإمام (عليه السّلام) بصدد القيام بثورة ضدّه ؛ لکون تلک الاُمور مرهونة بأوقاتها وأوامرها الإلهيّة ، ولکن مع هذا کلِّه ذکروا له أنّه لا راحة لبالک إلاّ أنْ تأتي بعليِّ بن موسى الرِّضا إلى مدينة خراسان ليکون تحت نظرک وقريب منک ؛ تعلم بشرِّه وخيره .
فاستجاب لهم ، وأُتي بالإمام (عليه السّلام) مع بعض أهل بيته وعياله ، وبعد عناء السّفر الطويل وصل الإمام (عليه السّلام) لمدينة ( مرو ) ، وقد عرض المأمون على الإمام (عليه السّلام) ولاية العهد إلاّ أنَّ الإمام (عليه السّلام) رفضها بأشدّ الرفض ، قائلاً له : (( أتُريدُ أنْ يُقال : إنّ الرِّضا ما کان زاهداً في الدُّنيا ، وإنَّما هي زاهدةٌ فيه ؟! )) .
ولذا عندما عُرضت عليه ولاية العهد قبلها مُکرَهاً ، وهو ما يبيّنه بقوله (عليه السّلام) : (( لا والله ، ما کنتُ راضياً بذلک من تلقاء نفسي أبداً )) . وکذلک قال (عليه السّلام) : (( لقد نهانِي اللهُ أنْ اُلقي نفسي بالتَّهلکة )) . وقبلها بشرطِ أنّه لا يأمر ولا ينهى ، ولا يعزل ولا يُولّي ، ولا يتکلّم بين اثنين في حکومة ، ولا يُغيّر شيئاً ممّا هو قائم على أصله , فأجابه المأمون على ذلک .
ثم إنَّ المأمون جلس مجلساً خاصّاً لخواصِّ أهل دولته من الاُمراء والوزراء ، والحُجّاب والکُتّاب ، وأهل الحلِّ والعقدِ ، وکان ذلک في يوم الخميس لخمس خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومئتين(7) .
وبعد فترة لم يرقَ للمأمون ما صنعه للإمام الرِّضا (عليه السّلام) من ولاية العهد ، وندم على فعلته هذه ، وإنّ حبَّ النّاس ما زال يزداد يوماً بعد يوم للإمام (عليه السّلام) ؛ ممّا دعاه أنْ يُفکر بالقضاء على أبي الحسن الرِّضا (عليه السّلام) ، وبالفعل صمّم على قتل الإمام (عليه السّلام) .
روى الشبلنجي في ( نور الأبصار ) عن هرثمة بن أعين ـ وکان من رجال المأمون ، والقائمين على خدمة الإمام الرِّضا (عليه السّلام) ـ قال : طلبني سيّدي أبو الحسن الرِّضا (عليه السّلام) في يوم من الأيّام ، وقال لي : (( يا هرثمة ، إنّي مُطلعُکَ على أمرٍ يکونُ سرّاً عندک ، لا تُظهرُهُ لأحدٍ مُدّةَ حياتي ، فإذا أظهرته مُدّةَ حياتي کُنتُ خصماً لک عند الله )) .
فحلفت له أنّي لا أتفوه بما يقوله لي لأحد مدّة حياته .
فقال لي : (( اعلم يا هرثمة أنّه قد دنا رحيلي ولحوقي بآبائي وأجدادي ، وقد بلغ الکتابُ أجلَهُ ، وإنّي اُطعَم عِنباً ورُمّاناً مفتوتاً فأموت ، ويقصد الخليفة أنْ يجعلَ قبري خلف قبر أبيه هارون الرشيد ، وإنّ الله لا يُقدره على ذلک ، وإنّ الأرض تشدُّ عليهم ؛ فلا تُعمل فيها المعاول ، ولا يستطيعونَ حفرها ))(8) .
وهکذا حصل ما أخبر به الإمام الرِّضا (عليه السّلام) ، فما مرّت الأيّام إلاّ وقد فعل الظالمُ فعلته العظيمة بخليفة الله في الأرض ، وإمام الإنس والجنّ معاً ، عليِّ بن موسى الرِّضا (عليه السّلام) .
قال أبو الصّلت الهروي : دعاني سيدي ومولاي الرِّضا (عليه السّلام) ، فلمّا حضرت عنده قال لي : (( يا أبا الصّلت ، غداً يبعثُ عليَّ هذا الفاجرُ فاُدخل عليه ؛ فإنْ أنا خرجتُ مکشوفَ الرَّأسِ کلّمني ، وإنْ أنا خرجتُ وأنا مُغطّى الرأس فلا تُکلّمني )) .
قال الهروي : فلمّا أصبحنا من الغدِ لبس الإمامُ (عليه السّلام) ثيابَهُ ، وجلس في محرابه کأنه ينتظر ، فبينما هو کذلک إذ دخل عليه غلامُ المأمون ، وقال : أجب أمير المؤمنين .
فلبس نعله ورداءه ، وقام يمشي ـ وأنا أتبعه ـ حتى دخل على المأمون ، وبين يديه طبق عنب وأطباق الفاکهة ، وبيده عنقود عنب قد أکل بعضه وبقي بعضه ، فلمّا أبصر الرِّضا (عليه السّلام) وثبَ إليه فعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه معه ، ثم ناوله العنقود وقال : يابنَ رسول الله ، ما رأيتُ عِنباً أحسن من هذا !
فقال الرِّضا (عليه السّلام) : (( رُبما کان عنبٌ أحسنَ مِنْ هذا في الجنّةِ )) .
فقال له : کُلْ منه .
فقال الرِّضا (عليه السّلام) : (( اعفني من ذلک )) .
فقال : لا بدّ من ذلک ، وما يمنعک منه ؟ لعلّک تتهمنا بشيء ؟
فتناول الإمام (عليه السّلام) العنقودَ وأکل منه ثلاث حبّات ، ثم رمى به وقام ، فقال المأمون : إلى أين ؟ فقال الرِّضا (عليه السّلام) : (( إلى حيثُ وجّهتني إليه )) .
قال أبو الصّلت : وخرج سيدي الرِّضا (عليه السّلام) وهو مُغطّى الرَّأس فلم اُکلّمه حتّى دخل الدار ، وأمر أنْ يُغلقَ الباب فغُلق ، ثم اضطجع على فراشه وراح يتقلّب ويضطرب ، ومکثتُ واقفاً في صحن الدار مهموماً محزوناً ، فبينا أنا کذلک إذا بشابٍّ حَسن الوجه ، قطط الشعر ، أشبه النّاس بإمامي الرِّضا (عليه السّلام) ، فبادرت إليه وقلتُ له : منْ أين دخلت والباب مُغلق ؟!
فقال : (( يا أبا الصّلت ، الذي جاء بِي مِنَ المدينةِ إلى طوس هو الذي أدخلني الدَّارَ والبابُ مُغلقٌ )) .
فقلتُ له : مَن أنت ؟
فقال : (( أنا إمامُک الجواد )) .
ثم مضى نحو أبيه ، فدخل وأمرني بالدخول معه ، فلمّا نظر إليه الرِّضا (عليه السّلام) وثب إليه فعانقه ، وضمّه إلى صدره ، وقبّل ما بين عينيه ، وصار يُوصيه بجميع ما أهمّه .
ثم إنّ الإمام الرِّضا (عليه السّلام) مدّد يديه ، وأسبل رجليه ، وغمّض عينيه ، وقضى نحبه صابراً مُحتسباً مسموماً , فالتفت إليّ الجواد (عليه السّلام) وقال : (( يا أبا الصّلت ، قُمْ فائتني بالمُغتسل والماء من الخزانة )) .
فقلت : ما في الخزانة مغتسل ولا ماء !
فقال لي : (( انتهِ لما أمرتُکَ بهِ )) .
فدخلتُ الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء فأخرجته ، وشمّرت ثيابي لأغسله ، فقال لي : (( تنحّ يا أبا الصّلت ؛ فإنَّ مَن يُعينني غيرک )) . فغسّله ثم قال : (( ادخُل الخزانة فأخرج لي السّفطَ الذي فيه کفنُهُ وحنوطُهُ )) .
فدخلت ، فإذا أنا بسفط لم أرهُ في تلک الخزانة قط ، فحملته إليه ، فکفّنه وصلّى عليه ، ثم قال : (( ائتني بالتَّابوت )) .
فقلتُ : أمضِ إلى النجّار حتى يصلح التابوت .
قال : (( قم ، فإنَّ في الخزانة تابوتاً )) .
فدخلتُ الخزانة فوجدتُ تابوتاً لم أرَه قط ، فأتيته به ، فأخذ الرِّضا (عليه السّلام) بعد ما صلّى عليه فوضعه في التابوت ، وصفّ قدميه وصلّى عليه(9) .
فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمّد (صلّى الله عليه وآله) أيّ منقلب ينقلبون ، والعاقبةُ للمُتَّقين .
 


انتهای پیام