|
|
أمام الباحث المتأمّل في شخصيّة عقيلة الهاشميّين عليها السلام طريقان لتحديد ملامح تلک الشخصيّة الفذّة:
أ ـ دراسة سيرتها الذاتيّة وکلامها وخُطبها عليها السّلام.
ب ـ دراسة کلام المعصومين عليهم السّلام في شأنها، وکيفيّة تعاملهم معها.
في هذه المقالة نتحدّث عن شخصيّة السيّدة زينب عليها السلام من خلال کلمات النبيّ صلّى الله عليه وآله وأئمّة الهُدى عليهم السّلام في شأنها عليها السّلام والطريقة التي کانوا يتعاملون بها معها.
النبيّ صلّى الله عليه وآله يسمّي زينب عليها السّلام:
أطلّت السيّدة زينب عليها السّلام على الدنيا في الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة الخامسة للهجرة في بيتٍ أذن اللهُ أن يُرفع ويُذکر فيه اسمُه، وفتحت الوليدة المبارکة عينيها تتطلّع إلى وجوهٍ أکرمها ربّ العزّة عن أن تسجد لصنمٍ قطّ، مُتسلسلةً في أصلاب الطاهرين وأرحام المطهّرات.
وحَمَلت سيّدةُ نساء العالمين: فاطمة عليها السّلام وليدتها إلى خير الخلق بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله: أميرِ المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام تسأله أن يختار للنسمة الطاهرة المبارکة اسماً، فأبى أن يَسبِق رسولَ الله صلّى الله عليه وآله ـ وکان غائباً يومذاک ـ في تسميتها، ثمّ عاد النبيُّ صلّى الله عليه وآله إلى المدينة، فحملت الزهراء عليها السّلام وليدتها إلى أشرف الکائنات وخاتم الرسل صلّى الله عليه وآله من الوحي اسماً لها، فسمّاها « زينب »
لماذا بکى رسول الله صلّى الله عليه وآله في ولادة زينب ؟
من غير المعهود أنّ الأب أو الجدّ إذا رُزِق ولداً أو حفيداً بکى وانتحب وذرف الدموع سِخاناً، فلماذا يحدّثنا التاريخ أن الحسين عليه السّلام حَمَل إلى أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام بشارةَ ولادة أخته زينب، وأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام بکى ـ بأبي هو وأمّي ـ لمّا بُشّر بولادتها، فسأله الحسينُ عليه السّلام عن علّة بکائه، فأخبره أنّ في ذلک سرّاً ستبيّنه له الأيّام.
ثمّ حُملت الوليدة الطاهرة إلى جدّها الحبيب محمّد صلّى الله عليه وآله، فاحتضن رسولُ الله صلّى الله عليه وآله الطفلةَ الصغيرة وقبّل وجهها، ثمّ لم يتمالک أن أرخى عينَيه بالدموع.
وکان جبرئيل عليه السّلام الذي هبط باسم « زينب » من ربّ العزّة قد أخبر حبيبه المصطفى صلّى الله عليه وآله بأنّ هذه الوليدة ستشاهد المصائب تلو المصائب، وأنّها ستُفجَع بجدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبأمّها فاطمة سيّدة النساء عليها السّلام، وبأبيها أمير المؤمنين عليه السّلام، وبأخيها الحسن المجتبى عليه السّلام سِبطِ رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ تُفجع بمصيبةٍ أعظمَ وأدهى، هي مصيبة قتل أخيها الحسين عليه السّلام سيّد شباب أهل الجنّة في أرض کربلاء
أُمّ المصائب:
تُسمّى العقيلة زينب سلام الله عليها أمَّ « المصائب »، وحقّ لها أن تُسمّى بذلک، فقد شاهَدَت مصيبةَ جدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومحنةَ أمّها فاطمة الزهراء سلام الله عليها، ثمّ وفاتها؛ وشاهدت مقتلَ أبيها الإمام عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه، ثمّ شاهدت محنةَ أخيها الحسن سلام الله عليه ثمّ قَتْله بالسمّ، وشاهدت أيضاً المصيبةَ العظمى، وهي قتل أخيها الحسين عليه السّلام وأهل بيته، وقُتل ولداها عَونٌ ومحمّد مع خالهما أمام عينها،
ثواب البکاء على مصائب زينب عليها السّلام:
روي أنّ جبرئيل عليه السّلام لمّا أخبر النبيّ صلّى الله عليه وآله بما يجري على زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السّلام من المصائب والمحن، بکى النبيّ صلّى الله عليه وآله وقال: من بکى على مصاب هذه البنت، کان کمن بکى على أخوَيها الحسن والحسين عليهما السّلام
ومن الجليّ أنّ البکاء على مصائب أهل البيت عليهم السّلام والتلهّف والتوجّع لِما أصابهم، يتضمّن معنى مواساتهم والوفاء لهم وأداء بعض حقوقهم التي افترضها الله تعالى في آية المودّة وغيرها، فقال عزّ مِن قائل: قُل لا أسألُکُم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى ، وقد روى علماء المسلمين أنّه لمّا نزلت هذه الآية الکريمة قالوا: يا رسول الله، مَن قَرابتُک الذين وَجَبَت علينا مودّتُهم ؟ قال صلّى الله عليه وآله: عليّ وفاطمة وابناهما.
احترام الإمام الحسين عليه السّلام لأخته زينب عليها السّلام:
نُقل عن الإمام الحسين عليه السّلام أنّه کان إذا زارته زينب عليها السّلام، يقوم إجلالاً لها، وکان يُجلِسُها في مکانه
السيّدة زينب عليها السّلام مفسّرة القرآن:
ذکر أهلُ السِّيَر أنّ العقيلة زينب عليها السّلام کان لها مجلس خاصّ لتفسير القرآن الکريم تحضره النساء، وليس هذا بمُستکثَر عليها، فقد نزل القرآن في بيتها، وأهلُ البيت أدرى بالذي فيه، وخليقٌ بامرأةٍ عاشت في ظِلال أصحاب الکساء وتأدّبت بآدابهم وتعلّمت من علومهم أن تحظى بهذه المنزلة السامية والمرتبة الرفيعة.
ذکر السيّد نور الله الجزائري في کتاب « الخصائص الزينبيّة » أنّ السيّدة زينب عليها السّلام کان لها مجالس في بيتها في الکوفة أيّام خلافة أبيها أمير المؤمنين عليه السّلام، وکانت تفسّر القرآن للنساء. وفي بعض الأيّام کانت تفسّر « کهيعص » إذ دخل عليها أمير المؤمنين عليه السّلام فقال لها: يا قرّةَ عيني، سمعتکِ تفسّرين « کهيعص » للنساء، فقالت: نعم.
فقال عليه السّلام: هذا رمز لمصيبة تُصيبکم عترة رسول الله صلّى الله عليه وآله. ثمّ شرح لها تلک المصائب، فبکت بکاءً عالياً
السيّدة زينب عليها السّلام تروي قصّة نزول طعام الجنّة:
روى عماد الدين الطوسيّ عن زينب بنت عليّ عليهما السّلام، قالت: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله صلاة الفجر ثمّ أقبل على أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: هل عندکم طعام ؟
فقال: لم آکل منذ ثلاثة أيّام طعاماً، وما ترکتُ في بيتنا طعاماً.
فقال صلّى الله عليه وآله: سِرْ بنا إلى فاطمة!
فلمّا دخلا على فاطمة نظرا إليها وقد أخَذَها الضَّعف من الجوع وحولَها الحَسَنان عليهما السّلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا فاطمة فِداکِ أبوکِ، هل عندکِ شيء من الطعام ؟
فاستَحيَت فاطمةُ أن تقول لا.. وقامت واستقبلت القِبلة لتصلّي رکعتَين، فأحسّت بحسيس، فالتفتت وإذا بصُحفة ملأى ثَريداً ولحماً، فأتت بها ووضعتها بين يدَي أبيها صلّى الله عليه وآله، فدعا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بعليّ والحسن والحسين، ونظر عليّ عليه السّلام إلى فاطمة متعجّباً وقال:
يا بنتَ رسول الله، أنّى لکِ هذا ؟
فقالت: هو من عند الله، إنّ الله يَرزقُ من يشاء بغير حساب
فسلام الله عليکِ يا عقيلةَ الهاشميّين يوم وُلدتِ، ويوم التَحقتِ بالرفيقِ الأعلى، ويوم تُبعثينَ حيّةً فيوفّيکِ اللهُ تبارک وتعالى جزاءک بالکأسِ الأوفى مع جدّکِ المصطفى، وأبيکِ المرتضى، وأمّکِ الزهراء، وأخيک الحسن المجتبى، وأخيکِ الشهيد بکربلاء
انتهای پیام |