۱۳۹۰/۱۲/۱۸
5:47
زيارة:1930
القرأن
اُقصوصة أبي لهب و إمرأته |
|
هذه الاُقصوصة أو الحکاية تتماثل مع سابقتها حکاية أصحاب الفيل من حيث انحراف بطلها و قصرها و من حيث لغتها السردية و عدم اعتمادها عنصر المحاورة ، و لکنها تتميّز عنها بطبيعة شخوصها فبينما کانت اُقصوصة الفيل تعتمد بطلا جماعياً هم أصحاب الفيل ، نجد أنّ اُقصوصة أبي لهب و امرأته تعتمد بطلين فرديين سلبيين هما: أبولهب و امرأته .و يلاحظ أنّ کلاّ من العناصر المرتبطة بالشخصية ، و بالموقف ، و بالحدث ، و بالبيئة نجده متوفّراً في الحکاية التي نتحدّث عنها .فالشخصية هما: الزوجان المنحرفان .و الموقف هو: موقفهما العدائي من النبيّ (صلى الله عليه وآله) .و الحدث هو: حمل الحطب و سواه ممّا استخدم لتجسيد الموقف العدواني .و البيئة هي: الآخرة من حيث المصير الذي يغلّف تينک الشخصيتين ، حيث الخسران ، و حيث النار ، و حيث الحبل من المسد . . . إلى آخره .و أمّا الأفکار المطروحة فيها فتمثّل في أنّ العقاب الالهي يطال المنحرفين دنيوياً و اُخروياً ، حيث خسر أبولهب و امرأته المعرکه فيما انتهت بانتصار النبيّ (صلى الله عليه وآله)و تدمير عدوّه دنيوياً ، کما يطال العقاب مصيرهما الاُخروي المتمثّل في:(سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَب)
و ﴿فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَد﴾
الآن إلى الصياغة الجمالية للاُقصوصة .عنصر السخرية
لعلّ أبرز العناصر القصصية إثارة في الاُقصوصة التي نتحدّث عنها هو عنصر السخرية ، و السخرية کما نعرف ذلک جميعاً في ميدان الخطاب الأدبي في السرديات و سواها يظلّ من أهم المنبّهات أو المحرّکات التي يستجيب لها المتلقّي بما هو ممتع و طريف و مثير بخاصة إذا کان العنصر المذکور يتناول شخصيات معروفة في انحرافاتها ، و في نمط تعاملها مع الأطراف الإيجابية ، کرسالة الإسلام أو شخصية المرسل (صلى الله عليه وآله) ، حيث أنّ صغر و تفاهة الشخصية المنحرفة قبالة ضخامة و عظمة الشخصية النبويّة ، يجعل لعنصر السخرية أهميتها الکبيرة بحيث تتناسب و خطورة الموقف .و تتمثل السخرية جمالياً و دلالياً في جملة مواقع من الاُقصوصة ، منها: ما يرتبط بالعنصر الإيقاعي الذي يشکّل بدوره واحداً من عناصر السرد الذي اعتمدته الاُقصوصة ، فيما سنتحدّث عنه بعد قليل ، لکننا هنا لا مناص من الإشارة إلى هذا العنصر من حيث صِلته بالسخرية التي استثمرت الجانب الإيقاعي للکلمة المسردة ، متمثّلة في عبارتي: (أَبِي لَهَب﴾
و ﴿ناراً ذاتَ لَهَب﴾
حيث أنّ اللهب و هو العبارة المشترکة بين کنية بطل الحکاية و بين الجزاء الاُخروي الذي ينتظره و هو نار جهنّم ، حيث استخدمت الاُقصوصة عبارة لهبدون سواها لتتجانس مع کنية الشخصية المنحرفة .إنّ العبارة الجزائية ﴿سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَب﴾ تجسّد و لا شک قمّة الإثارة و الدهشة و الطرافة الفنّية من حيث مجانستها ـ کما قلنا ـ مع کنية الشخصية المنحرفة أبي لهب . و التجانس المذکور لا ينحصر مع عبارة لهب فحسب ، بل إنّ أبي و هو کنية الشخصية في أحد شطريها تتجانس مع لهب جهنّم التي يصلاها ، بصفة أنّ الأب هو أکثر لصوقاً بالشيء ، فالجريمة مثلا هي ظاهرة انحرافية ، و أمّا إذا اُطلق على صاحبها مصطلح أب الجريمة فهذا يعني أ نّه أکثر جريمة من سواها ، بل أي هو صاحب سلسلة کبيرة من الانحرافات ، بحيث يصبح أباً لها .إذن ، کم هو طريف و ممتع و مدهش حينما نلاحظ هذا التجانس الملفت للنظر بين الکنية و بين نار جهنّم ، مع ملاحظة أنّ النص القرآني الکريم يجانس دواماً بين مصطلح الجزاء السلبي ، أي: جهنّم أو النار و ما يواکبها من المصطلحات المعبّرة عنها مثل سقر ، لظى . . . إلى آخره .حيث لاحظنا مثلا ، کيف جانس النص القرآني الکريم بين المحور الفکري الذي رسمته سورة «القمر» ، و هو: قيام الساعة و تضمّنها أي الساعة لحرف السين مثلا و إفصاح حرف السين عن کونه أداة لغوية تستخدم للمستقبل ، کما هو طابع عبارة سوف فيما تحدّثت القصة عن بيئة الحياة الاُخرى بالنسبة إلى الجزاء السلبي الذي ينتظر المجرمين ، فانتخبت عبارة سقر لتجانس مع حرف السين المشار إليه .المهم أنّ مجانسة کنية أبي لهب مع ناراً ذات لهب تظلّ من السخرية الممتعة بالنسبة إلى الشخصية المذکورة .و هذا فيما يتصل بالسخرية من أبي لهب .و لکن ماذا بالنسبة إلى امرأته ؟بالنسبة إلى امرأة أبي لهب و هي الشخصية الثانوية في القصة ، کما يمکننا أن نعتبرها شخصية رئيسة أيضاً بصفتها زوجة مشارکة في الجريمة ، هذه الشخصية رسمتها الاُقصوصة قمـّة في السخرية . لقد جانست الحکاية أيضاً بين سلوکها الخاص و بين نمط الجزاء المترتّب على ذلک ، کما جانست من جهة اُخرى بين طبيعة اهتمامات المرأة و هي الزينة و أحد تجسيداتها و هي القلادة و بين الجزاء المترتّب على سلوکها .کيف ذلک ؟
کما رسمها من جانب:
﴿فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَد﴾
ترى ما هي الأسرار الجمالية و الدلالية الکامنة وراء الرسم المذکور ؟ من البيّن أنّ الجيد هو العضو المناسب لمکان القلاّدة .و الاُقصوصة قد استخدمت عنصر السخرية إلى أبعد مداه حينما استبدلت القلادة و هي عادة من الذهب و نحوه بـ حبل من الليف و هو أرخص الأشياء و أتفهها من حيث ابتذاله ، و جعله من ثمّ ، أي الحبل من الليف قلادة في جيد امرأة أبي لهب ، و هو أمرٌ يتجانس تماماً مع طبيعة اهتمام المرأة بالزينة حيث انتخب لها ما يضاد الزينة تماماً و هو: العذاب الشديد .هذا بالإضافة إلى أنّ الحبل يتميّز بکونه ـ فضلا عن أ نّه رمز قلادتها ـ أداة أو رمزاً لسحبها من عنقها و إلقائها في نار جهنّم ، فيکون بمثابة الأغلال في أعناق المنحرفين ، حيث ورد هذا الوصف في بعض مواقع النص القرآني الکريم عبر حديثه عن المجرمين و سوقهم إلى جهنّم من العنق .هذا و ينبغي ألاّ نغفل عن الرسم الآخر المتمثّل في صورة حمـّالة الحطب حيث أنّ هذا الحدث له صلته بسلوکها العدواني . تقول النصوص المفسّرة بأ نّها کانت تضع الشوک و نحوه في طريق النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، و حينئذ يجيء المرأى و هو: حمّـالةالحطب تعبيراً عن واقعية سلوکها من جانب ، و تعبيراً رمزياً من حيث التجانس بين حمل الشوک و حمل الحطب في جهنّم ، حيث أنّ جهنّم تظلّ حطباً ـ وقوداً ـ لها .هذا إلى أنّ نصوصاً تفسيرية تذهب إلى أنّ الحطب هو رمز لـ النميمة من حيث الدلالة اللغوية ، حيث کانت امرأة أبي لهب تمشي بالنميمة بين الناس .و المهم أنّ هذه العبارة المتمثلة في الحطب الواقعي ، و حطب جهنّم ، و الحطب اللفظي ، تظلّ من أهم الخطوط الجمالية الممتعة التي تطبع الاُقصوصة .و إذا ترکنا السخرية بصفتها عنصراً استخدمته الاُقصوصة و اتجهنا إلى الخصائص المتميّزة الاُخرى ، نجد أنّ الصورة بمعناها الفنّي الذي يعني الترکيب من ظاهرتين تنتهي عنهما ظاهرة ثالثة ، کالتشبيه و الاستعارة و الرمز و التمثيل . . .
إلى آخره ، تظلّ من خصائص القصيدة أو الخاطرة الفنّية ، إلاّ أنّ الملاحظ أنّ القصة القصيرة في تجاربها البشرية تظلّ في کثير من نماذجها مماثلة للقصيدة أو الخاطرة من حيث اعتمادها الصورة . فقد لاحظنا مثلا أنّ الحبل من المسد في الجيد يجسّد صورة رمزية في أحد تفسيرات النص ، کما أنّ عبارة حمّالة الحطب في أحد تفسيرات النص تعني رمزاً للنميمة ، أو صورة رمزية تنسب إلى ما يسمّى بــ : التورية ، هذا فضلا عن أنّ المجانسة بين أبي لهب و لهب جهنّم يمثّل نمطاً آخر من المجانسة .و حتّى استهلال الاُقصوصة بعبارة ﴿تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَب وَ تَبَّ﴾ يمکننا في أحد تفسيرات النص أنّ نعدّه عنصراً صورياً ، بصفة أنّ اليدين: يدا أبي لهب رمزٌ لتملّک الشيء أو رمزٌ لأيّة ممارسة تعبّر عن الحرکة أو العمل أو أيّة ممارسة تعبّر عن مطلق السلوک مادّياً کان أو لفظياً أو معنوياً . . . إلى آخره .
العنصر الصوتي
مع أنّ العنصر الصوتي يظلّ سمة القصيدة و نحوها ، إلاّ أنّه کما لحظنا انسراب الصورة إلى القصة ، کذلک نجد انسراب الصوت إليها . فقد تمّت الإشارة إلى التجانس الصوتي بين کنية أبي لهب و بين النار ذات اللهب التي يصلاها ، کما يمکننا ملاحظة التجانس بين عبارة الاستهلال تبّت و بين نهايتها و تبّ ، مضافاً إلى ملاحظة التجانس بين أربعة أصوات الباء المتمثّلة في تبّت ، أبي ، لهب ، تبّ . اُولئک جميعاً تشکّل عنصراً صوتياً له جمالية في العنصر القصصي کما هو واضح .
البناء القصصي
أخيراً فيما يتصل بخصائص العرض القصصي نجد أنّ الاُقصوصة قد استهلّت بالتعليق القصصي:
﴿تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَب وَ تَبَّ ، ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَ ما کَسَبَ﴾
و نتساءل ماذا استهدف التعليق أو التدخّل أو الحکم القصصي من ذلک ؟
إنّ القصة تقول: خسرت يدا أبي لهب ، و هو رمز لما مارسته الشخصية المذکورة من السلوک السلبي: لفظيّاً و حرکيّاً و مادّياً (اقتصادياً) و سلالياً ، و هذا في حالة ما إذا انسقنا مع التفسير الذاهب إلى أنّ عبارة ﴿وَ ما کَسَبَ﴾ تخصّ المباهاة بالأولاد .
و المطلوب الآن جمالياً هو أن نقول: إنّنا نعتزم أوّلا أن نمارس عملية تذوّق جمالي للاُقصوصة بغضّ النظر عن النصّ التفسيري مع ضرورته بطبيعة الحال ، و لکن ـ کما کرّرنا ـ أنّ إعجاز النص القرآني يتمثّل في التوفيق بين التذوّق الفنّي و التذوّق التفسيري .
المهم ، ماذا يمکننا أن نستخلص من الاستهلال القصصي المذکور ؟
إنّنا نستخلص بأنّ أبالهب مارس سلوکاً متعدّد الجوانب مادّياً و معنوياً بحيث ترتّب عليه خسار ، إلاّ أنّ الخسار بدوره يظلّ مجملا و ذلک لسببين ، أولهما: أنّ الاُقصوصة کرّرت الخسارة بالنسبة إلى يدي أبي لهب ، و الاُخرى بالنسبة إلى شخصيته بنحو عام و هذا ما يتمثّل في عبارتي : تبّت و تبّ .
ترى ماذا نستخلص من تينک الخسارتين ؟
قبل الرجوع إلى المأثورات المفسّرة يمکننا بأن نستخلص بأنّه مارس عملا مادّياً کالضرب مثلا ، أو عملا اقتصادياً کصرف الأموال أو مطلق ما يمکن بأن ينسب رمزياً إلى اليد ، کالإشارة القرآنية مثلاً إلى ما اکتسبت اليدان ، حيث ترمز بذلک إلى مطلق السلوک الصادر عن الإنسان أيّاً کان نمطه . . . و حينئذ فإنّ يديه الممارستين ـ أي يدي أبي لهب ـ للسلوک المضاد لرسالة الإسلام أو للنبيّ (صلى الله عليه وآله) قد خسرتا الموقف ، بصفة أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد انتصر و تمّ له الفتح ، و دخل الناس في دين اللّه تعالى أفواجاً ، و أمّا أبولهب فقد خسر و باء بالفشل في محاولاته . . .
إذن ثمة خسارة دنيوية لمسها أبولهب و هو فشله مقابل نجاح محمّد (صلى الله عليه وآله) .
و هنا تکمن الطرافة القصصية المتمثّلة في اُسلوب التکرار الذي طبع الاُقصوصة من خلال عبارتي تبّت المشيرة إلى الخسار الدنيوي ، مقابل تبّ المشير إلى الخسار الاُخروي .
کيف ذلک ؟
إنّ عبارة تبّ تعني خسر . . . وذلک إذا عرفنا أنّ ما کسبت يداه قد طبعها الخسران الدنيوي ، حينئذ فإنّ خسار النفس لابدّ و أن يصبح اُخروياً .
أي أنّ تبّ لابد و أن تعني خسارة اُخروياً .
و تبّت تعني خسارةً دنيوياً ، لأنّ الخسارة الدنيوية أو الاُخروية وحدها ، لا تتوافق مع المفردة تبّ أو تبّت ، کما أ نّه لا معنى لأحد الخسارين: الدنيا أو الآخرة ، بصفة أ نّه خسر کليهما . أمّا الاُخرى فمن الوضوح بمکان .و عبارة ﴿سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَب﴾ تعني اُخروية الخسار . . .و أمّا دنيويته فتنحصر حينئذ في عبارة تبّت مادام الأمر يتّصل بمحاولاته المتنوّعة حيال الرسالة الإسلامية .إذن لو اقتصرنا على تذوّقنا الفنّي الخالص ، لأمکننا أن نستخلص ما عرضناه الآن . . . و هو ـ لحسن الحظّ ـ يتجانس مع النصوص التفسيرية في بعض نماذجها بطبيعة الحال .و الأمر نفسه بالنسبة إلى الشريحة الثانية من الاُقصوصة : ﴿ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَ ما کَسَبَ﴾
فالقارئ بمقدوره أن يستخلص بأنّ أبالهب إمّا أن يکون قد صرف مالا لمحاربة النبيّ (صلى الله عليه وآله) أو خُيّل إليه بأنّ ما يمتلکه من المال و الأولاد ينفعه في الموقف ، و هو ما يتساوق أيضاً مع النص المفسّر .أخيراً أيضاً ، إذا تابعنا البناء القصصي للحکاية التي بدأت أوّلا بالإشارة إلى خسارة أبي لهب بنمطيها ، للاحظنا أنّ استهلال القصة بنتائجها ، و هي الخسار دنيوياً و اُخروياً قبل العرض لسلوکه و امرأته ، نجد أنّ هذا الاستباق الزمني ثمّ الاسترجاع له مسوّغاته المتمثّلة في فکرة الاُقصوصة الذاهبة إلى أنّ اللّه تعالى يستهدف الإشارة إلى خسارة من يحاول إطفاء النور ، و الوقوف بوجه الرسالة الإسلامية بالنحو الذي أوضحناه .
انتهای پیام |
|