۱۳۹۰/۱۱/۲۵   13:59  زيارة:1154     المقالات


نهج البلاغة

 


إنّ أبرز أثر للشّريف الرّضيّ هو کتاب «نهج البلاغة» الذي جمع فيه طائفة من کلام الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام والّذي يُضطرّ معه کلّ خبير بجواهر الکلام على الاعتراف بمنزلته الرّفيعة الشّامخة، ويُطأطئ الرأس تواضعاً له وخضوعاً.
يقول حنّا الفاخوريّ مؤلّف کتاب «تاريخ الأدب العربيّ»: (... فلا عجب بعد ذلک کلّه إذا کان کتاب «نهج البلاغة» ثروة فکريّة وأدبيّة واسعة. ففيه الدعوة الملحّة إلى العمل بشعائر الدّين وإلى اتّباع تعاليم القرآن وتعزيز کلّ ما هو شريف الغاية، والحثّ على السّير في سبيل الفضائل. وهو يجمع الدّين إلى الاجتماع والسّياسة، ويجعل الدّين أساساً لهما. فهو يريد مجتمعاً يجري على سَنَن العدل، والمساواة، والحرّيّة. وللعدل محلّ واسع في الکتاب يجعله الإمام من مقتضيات الحياة الجوهريّة.... وفي الکتاب إلى جنب هذه التّعاليم آراء شتّى في الفلسفة الماورائيّة، والفقه، ومعلومات تاريخيّة جمّة، ممّا يجعل له محلاًّ رفيعاً في عالم الأدب، والدّين، والاجتماع).
ويقول الشّيخ محمّد عبده مفتي مصر الأسبق وشارح « نهج البلاغة» في وصف هذا الکتاب: (... وليس في أهل هذه اللغة إلاّ قائل بأنّ کلام الإمام عليّ بن أبي طالب هو أشرف الکلام وأبلغه بعد کلام الله تعالى وکلام نبيّه صلّى الله عليه وآله، وأغزره مادّة، وأرفعه أسلوباً، وأجمعه لجلائل المعاني ).
ويقول الشّارح الکبير ابن أبي الحديد المعتزلي: (انّ سطراً واحداً من « نهج البلاغة» يساوي ألف سطر من کلام ابن نُباتة وهو الخطيب الفاضل الّذي اتّفق الناس على أنّه أوحد عصره في فنّه).
 

جمع نهج البلاغة:

 

قال الشّريف الرّضيّ في مقدّمته على «نهج البلاغة»: (... فإنّي کنت في عُنفوان السّنّ، وغضاضة الغُصن، ابتدأتُ بتأليف کتاب خصائص الأئمّة عليهم السّلام، يشتمل على محاسن أخبارهم وجواهر کلامهم... وفرغت من الخصائص الّتي تخصّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام . وعاقت عن إتمام بقيّة الکتاب مُحاجَزات الزّمان ومماطلات الأيّام .
وکنتُ قد بوّبتُ ما خرج من ذلک أبواباً، وفصّلته فصولاً؛ فجاء في آخرها فصل يتضمّن محاسن ما نُقل عنه عليه السّلام من الکلام القصير في المواعظ والحکم والأمثال والآداب دون الخطب الطويلة والکتب المبسوطة. فاستحسن جماعة من الأصدقاء والإخوان ما اشتمل عليه الفصل المقدّم ذکره، معجبين ببدائعه ومتعجبّين من نواصعه. وسألوني عند ذلک أن أبدأ بتأليف کتاب يحتوي على مختار کلام مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام في جميع فنونه، ومتشعبات عصونه، من خُطَب وکتب ومواعظ وآداب. علماً أنّ ذلک يتضمّن عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة وجواهر العربيّة وثواقب الکلم الدّينيّة والدّنيويّة ما لا يوجد مجتمعاً في کلام ولا مجموع الأطراف في کتاب. إذ کان أمير المؤمنين عليه السّلام مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه عليه السّلام ظهر مکنونها، وعنه أخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا کلّ قائل خطيب، وبکلامه استعان کلّ واعظ بليغ. ومع ذلک فقد سَبق وقصّروا، وتقدّم وتأخّروا؛ لأنّ کلامه عليه السّلام الکلام الّذي عليه مسحة من العلم الإلهيّ، وفيه عبقة من الکلام النّبويّ . فأجبتُهم إلى الابتداء بذلک عالماً بما فيه من عظيم النفع ومنشور الذّکر، ومذخور الأجر.
واعتمدتُ به أن أبيّن من عظيم قدر أمير المؤمنين عليه السّلام في هذه الفضيلة، مضافة إلى المحاسن الدائرة والفضائل الجمّة. وأنّه عليه السّلام انفرد ببلوغ غايتها عن جميع السّلف الأوّلين الّذين إنّما يُؤثَر عنهم منها القليل النادر والشاذّ الشّارد.
وأمّا کلامه فهو من البحر الّذي لا يُساجَل، والجمّ الّذي لا يُحافَل... ورأيتُ کلامه عليه السّلام يدور على أقطاب ثلاثة : أوّلها الخُطَب والأوامر، وثانيها الکُتب والرّسائل، وثالثها الحِکَم والمواعظ؛ فأجمعت بتوفيق الله تعالى على الابتداء باختيار محاسن الخطب، ثمّ محاسن الکتب، ثمّ محاسن الحکم والأدب، مُفرِداً لکلّ صنف من ذلک باباً.... وربما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظ المردّد والمعنى المکرّر. والعذر في ذلک أنّ روايات کلامه تختلف اختلافاً شديداً. فربما اتفق الکلام المختار في رواية فنُقل على وجهه، ثمّ وجد بعد ذلک في رواية أخرى موضوعاً غير وضعه الأوّل، إمّا بزيادة مختارة أو بلفظ أحسن عبارة، فتقتضي الحال أن يعاد استظهاراً للاختيار، وغيره على عقائل الکلام. وربما بَعُد العهد أيضاً بما اختير أوّلاً فأعيد بعضه سهواً أو نسياناً لا قصداً واعتماداً .
ولا أدّعي مع ذلک أنّي أُحيط بأقطار جميع کلامه عليه السّلام حتّى لا يشذّ عنّي منه شاذّ ولا يندّ نادّ، بل لا أبعد أن يکون القاصر عنّي فوق الواقع إليّ، والحاصل في رِبْقتي دون الخارج من يدي. وما عليّ إلاّ بذل الجهد وبلاغ الوسع، وعلى الله سبحانه نهج السّبيل، ورشاد الدليل إن شاء الله).

 

***

 

ترتيب نهج البلاغة ورصفه :

 

نستشفّ من مقدّمة الشّريف الرّضيّ الّتي نقلنا شيئاً منها سلفاً أنّه رصف «نهج البلاغة» في ثلاثة أقسام:

 

الأوّل : الخطب

 

وهو أوّل قسم من أقسام النّهج وأوسعه. ويستوعب (214) خطبةً. ونجد في هذه الخطب موضوعات متنوّعة، من: فلسفة وإلهيّات ومباحث مرتبطة بالصّفات الالهيّة والجبر والاختيار، إلى مسائل فقهيّة شرعيّة، ومن عرض العِبَر التّاريخيّة، إلى مسائل اجتماعيّة، ومن علم الظواهر إلى الوصايا الأخلاقيّة العميقة الدقيقة، ومن التّوبيخ أو النقد إلى الملاحم الأدبيّة والتوجيهات العسکريّة.
علماً أنّ بعض الخطب أشهر من غيرها، ومنها: الخطبة «الشِّقْشِقيّة»، وهي ثالث خطبة في الکتاب، وخطبة « الأشباح»، وهي الخطبة الحادية والتّسعون في طبعة صبحي الصّالح، والتّسعون في طبعة فيض الإسلام. ومنها الخطبة «القاصعة»، وهي الخطبة الحادية والتّسعون والمائة عند صبحي الصّالح، والثّالثة والثلاّثون والمائة عند فيض الإسلام، ومنها الخطبة الّتي تصف المتّقين، وهي الخطبة الثّالثة والتّسعون والمائة في ترقيم الصّالح، والرّابعة والثّمانون والمائة في ترقيم فيض الإسلام.
 

الثّاني : الکتب

 

ونجد في هذا القسم (79) کتاباً، منها الطّويل، ومنها القصير الّذي قد يضمّ جملتين أو أکثر. ونلحظ في هذه الکتب وصايا متنوّعة في ميادين متعدّدة، منها: الحکومة في الإسلام، والنّظام المالي بخاصّة نظام الزّکاة، وقضايا الحرب، ومؤاخذة الولاة، ووصايا أخلاقيّة. وکتابه عليه السّلام إلى مالک الأشتر رضوان الله عليه من أشهر کتبه، وهو الکتاب الثّالث والخمسون عند صبحي الصّالح، وفيض الإسلام معاً.

 

الثّالث : الحِکَم أو قصار الکَلِم

 

ونقرأ في هذا القسم (480) عبارة أُطلق عليها الحکم أو الکلمات القصار . وتتألّق الصّيغة الأخلاقيّة فيها أکثر من أيّ شيءٍ آخر. ويشتمل هذا القسم على وصايا قصيرة في مجال الآداب الاجتماعيّة والأخلاقيّة ونظائرها.
وفي تضاعيف هذه الکلمات القصار قسم يتميّز عن غيره من الأقسام، وقد أورده الشّريف الرّضيّ تحت عنوان « فصل نذکر فيه شيئاً عن اختيار غريب کلامه المحتاج إلى التّفسير». وهو بين الحکمة ( 260 ) و (261) عند صبحي الصّالح ويشتمل على تسعة أحاديث، أمّا عند فيض الإسلام فقد جاء بين الحکمة (252) و (253) وفيه تسعة أحاديث أيضاً.


انتهای پیام